فصل : فأما أكل الحمير ، فما كان منها وحشيا فأكله حلال ، روى  الشافعي   ، عن  مطرف بن مازن   ، عن  معمر بن يحيى بن أبي كثير   ، عن  عبد الله بن أبي قبالة   ، عن أبيه قال :  بينما أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية ، وقد أحرم من أحرم من أصحابي ، ولم أحرم ، فإذا أنا بحمار وحشي ، فحملت عليه فطعنته برمحي فصرعته فأكلنا من لحمه ، ثم لحقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أصبت حمارا وحشيا وعندي منه فأكله ، وقال للقوم وهم محرمون : كلوا فأكلوا     .  
فدل هذا الحديث على ثلاثة أحكام : على إباحة  أكل الحمار الوحشي   ، ودل على أن  زكاة الصيد الممتنع   في أي موضع أصيب من جسده ، ودل على أن  المحرم يحل له أن يأكل من صيد المحرم إذا لم يصده لأجله      .  
وروى  الصعب بن جثامة   قال :  أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل حمار وحشي ، فرده علي فتعمر وجهي ، فلما عرف الكراهة في وجهي قال : ما بنا رد عليك ، ولكنا قوم حرم  ، فامتنع من أكله لإحرامه ، فإن  الصعب   صاده لأجله بعد إحلاله من الإحرام . وفي قول  الصعب      : رجل حمار وحشي تأويلان :  
أحدهما : يعني به أحد رجليه التي يمشي عليها .  
والثاني : أنه أراد جماعة حمير يقال لها : رجل ، كما يقال حيط نعام ، وسرب ظباء ، وهو أشبه ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقصد وهو في كثير من أصحابه بهدية عضو من حمار .  
فأما الحمير الأهلية فأكلها حرام ، واختلف أصحابنا ، هل حرمت باستخباث العرب لها أو بالنص في المنع منها : على وجهين ، وبتحريمها . قال جمهور الصحابة والتابعين والفقهاء ، وقال  عبد الله بن عباس   وسعيد بن جبير      : أكلها حلال احتجاجا بحديث رواه  الشافعي   ، عن  سفيان   ، عن  مسعر   ، عن  عبيد بن الحسن   ، عن  أبي معقل   قال : "  أخبرنا رجلان من  مزينة   قالا : قلنا يا رسول الله ، إنه لم تبق لنا الشدة إلا الحمر ، أفنأكل منها ؟ فقال : أطعما أهلكما من سمين ، فإني إنما قدرت عليكم بجوال القربة     " ، يعني : أكلة الزبل والعذرة .  
 [ ص: 142 ] قال  الشافعي      : لا أعرف من ثبوت هذا الحديث على الانفراد ما أعرف من ثبوت نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر الأهلية فأحرمها .  
ونهيه عنها دليل على إباحة الحمر الوحشية ، لأنه إذا نهى عن شيء يجمع صنفين ، فقد أباح ما يخرج عن صنفه .  
والدليل على  تحريم الحمر الأهلية   ما رواه  الشافعي   ، عن  سفيان   ، عن  أيوب السختياني   ، عن  محمد بن سيرين   ، عن  أنس بن مالك   قال :  صبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر بكرة ، وقد خرجوا بالشاة من الحصن ، فلما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا :  محمد   والخميس ، ثم لجوا إلى الحصن ، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثلاثا ، وقال : الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ، فلما فتحوها أصابوا حمرا فطبخوا منها ، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا إن الله ورسوله ينهاكم عنها ، فإنها رجس ، فكفوا القدور وإنها لتفور     .  
فاحتمل ما حكموا به من أكلها ، لأنهم كانوا يستطيبونها كالحمر الوحشية ، حتى نهوا عنها بالنص .  
واحتمل أن يكونوا هموا بذلك لمجاعة لحقتهم حتى نهوا عنها بالفتح ، فلذلك ما اختلف أصحابنا في علة تحريمها على وجهين ، والله أعلم .  
				
						
						
