فصل : فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حال ما حكم بنجاسته من ثلاثة أقسام :  
أحدها :  ما كان نجس العين من الأصل خلقة ، ولم يكن له من الطهارة أصل   كالكلب ، والخنزير ، فلا يجوز بيعه بحال : لنجاسة عينه ، سواء كان منتفعا به ، كالكلب ، أو غير منتفع به كالخنزير .  
والقسم الثاني :  ما طرأت نجاسته بعد تقدم طهارته من غير نجاسة جاورته   ، كنجاسة الخمر ، بحدوث الشدة ، ونجاسة الميتة ، بحدوث الموت .  
والشدة والموت لا يوصف بنجاسة ولا طهارة ، وإن نجس بهما الأعيان الطاهرة .  
وهذه النجاسة مانعة من جواز البيع سواء أمكن إزالتها بدباغ الجلد أو لم يمكن إزالتها ، كاللحم : لنجاسة جميع الأجزاء التي لا يتخللها جزء طاهر .  
وأجاز  أبو حنيفة   بيع ما يمكن إزالة نجاسته ، كالجلد لإمكان طهارته بالدباغة ، وهذا فاسد من وجهين :  
أحدهما : أن نجاسة الخمر يمكن إزالتها عنده بالتخليل ، ولا يجوز بيعها ، كذلك الجلد .  
والثاني : أنه قبل زوال نجاسته مساو لما تمكن إزالة نجاسته لا لنجاسة جميع أجزائه ، فلم يجز أن يجري على حكم الطهارة ، مع عدمها فيه .  
والقسم الثالث : ما نجس بمجاورة النجاسة له مع طهارة عينه ، فهذا ينقسم ثلاثة أقسام :  
أحدها : أن  تتميز نجاسته ويمكن إزالتها ، كالثوب النجس   ، فيجوز بيعه ، قبل إزالة نجاسته ، لعلتين :  
إحداهما : إمكان إزالتها .  
الثانية : بقاء أكثر منافعه معها .  
والقسم الثاني : أن لا تتميز نجاسته : لامتزاجه بها ، ولا يمكن إزالتها ، كالدبس واللبن إذا نجس ، وكذلكالماء النجس   ، فلا يجوز بيع ذلك ، لأنه لا سبيل إلى طهارته ، فإن قيل : فالماء النجس يطهر بالمكاثرة .  
 [ ص: 160 ] قيل : المكاثرة لا تزيل النجاسة : لبقائها فيه ، وإنما يغلب حكم المكاثرة ، فيحكم له بالطهارة .  
أولا ترى أن  البول لو وقع في الماء الكثير ، فلم يغيره   كان طاهرا ، وجاز بيعه ولا يدل ذلك على طهارة البول ، كذلك الماء النجس .  
والقسم الثالث : ما لم يتميز نجاسته : لامتزاجه واختلف في إمكان إزالتها منه ، وهو الزيت النجس ، وما جرى مجراه من الأدهان ، دون السمن . ففي إمكان غسله وطهارته وجهان :  
أحدهما : وهو قول  أبي العباس بن سريج   وابن أبي هريرة   أنه يمكن غسله ، ويطهر بأن يراق عليه الماء في إناء ، ويمخض فيه مخضا ، يصير به مغسولا ، كالثوب : لأن الدهن يتميز عن الماء ويعلو عليه ، كما يتميز الثوب ، ثم يؤخذ ، فيكون طاهرا .  
والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب  الشافعي   ، وقول جمهور أصحابه : إن غسله لا يصح بخلاف الثوب ، لأنه مائع ، كالماء ، فلم يكن جذب الماء للنجاسة بأولى من جذب الزيت لها ، فكان باقيا على نجاسته والماء في الثوب يجذب نجاسته إليه ، فافترقا .  
فإن قيل : إن غسله لا يصح لم يجز بيعه ، وهو الصحيح .  
وإن قيل : إن غسله يصح ، ففي جواز بيعه وجهان من علتي بيع الثوب النجس :  
إحداهما : يجوز بيعه تعليلا بإمكان تطهيره بالغسل .  
والوجه الثاني : لا يجوز بيعه تعليلا بذهاب أكثر منافعه بنجاسته .  
				
						
						
