الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من شرط بره أنه يكون معتبرا بتعجيل خروجه بنفسه لم يخل حاله من أن يكون قادرا على الخروج أو ممنوعا ، فإن كان ممنوعا من الخروج ، إما لحبسه في داره المغلق أبوابه ، أو لتقييده وإمساكه ، أو لزمانته ، وهو لا يجد من يحملها منها لم يحنث ما كان باقيا على عجزه ومنعه ؛ لأن وجود المكنة شرط في الأفعال المستحقة وخرج فيها أبو علي بن أبي هريرة قولا آخر أنه يحنث من اختلاف قوليه في حنث الناس ، وليس بصحيح لما عللنا .

                                                                                                                                            وإن كان قادرا على الخروج فتوقف للبس ثيابه التي جرت عادته في الخروج بها لم يحنث ، ولو توقف لأكل أو شرب حنث ، وكذلك لو توقف لطهارة أو صلاة حنث ؛ لأنه يقدر على فعل ذلك في غيرها إلا أن يضيق عليه وقت الصلاة ، ويعلم أنه إن خرج منها فاتته فلا يحنث بالصلاة فيها ؛ لأن الشرع قد منعه من الخروج قبل الصلاة ، فكان أوكد من منع المخلوقين ، ولو توقف فيها لغلق أبوابه ، أو إحراز ما يخاف عليه تلفه من أمواله ، فإن كان يقدر على استنابة أمين فيه حنث ، وإن لم يقدر على الاستنابة لم يحنث على الصحيح من المذهب ؛ لأن أخذه في ذلك شروع في الخروج ، ويحتمل وجها آخر أنه يحنث ؛ لأنه منع لا يختص ببدنه ، وإن قدر على الخروج وارتفعت عوارض المنع حنث بقليل المقام وكثيره ، فإن كان لخروجه بابان يقرب من أحدهما ويبعد من الآخر كان مخيرا في الخروج من أيهما شاء ، ولا يحنث بالخروج من أبعدهما ؛ لأنه أخذ في الخروج وإن بعد مسلكه ، فإن صعد إلى علوها للخروج من سطحهما ، وله باب يخرج منه حنث ؛ لأنه بالصعود في حكم المقيم ، ولو لم يقدر على الخروج من بابه لم يحنث بالصعود للخروج .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية