فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من شرط بره أنه يكون معتبرا بتعجيل خروجه بنفسه ، فإن كان ممنوعا من الخروج ، إما لحبسه في داره المغلق أبوابه ، أو لتقييده وإمساكه ، أو لزمانته ، وهو لا يجد من يحملها منها لم يحنث ما كان باقيا على عجزه ومنعه ؛ لأن وجود المكنة شرط في الأفعال المستحقة وخرج فيها أبو علي بن أبي هريرة قولا آخر أنه يحنث من اختلاف قوليه في حنث الناس ، وليس بصحيح لما عللنا . لم يخل حاله من أن يكون قادرا على الخروج أو ممنوعا
وإن كان قادرا على الخروج فتوقف للبس ثيابه التي جرت عادته في الخروج بها لم يحنث ، ولو توقف لأكل أو شرب حنث ، وكذلك لو توقف لطهارة أو صلاة حنث ؛ لأنه يقدر على فعل ذلك في غيرها إلا أن يضيق عليه وقت الصلاة ، ويعلم أنه إن خرج منها فاتته فلا يحنث بالصلاة فيها ؛ لأن الشرع قد منعه من الخروج قبل الصلاة ، فكان أوكد من منع المخلوقين ، ولو توقف فيها لغلق أبوابه ، أو إحراز ما يخاف عليه تلفه من أمواله ، فإن كان يقدر على استنابة أمين فيه حنث ، وإن لم يقدر على الاستنابة لم يحنث على الصحيح من المذهب ؛ لأن أخذه في ذلك شروع في الخروج ، ويحتمل وجها آخر أنه يحنث ؛ لأنه منع لا يختص ببدنه ، وإن قدر على الخروج وارتفعت عوارض المنع حنث بقليل المقام وكثيره ، فإن كان لخروجه بابان يقرب من أحدهما ويبعد من الآخر كان مخيرا في الخروج من أيهما شاء ، ولا يحنث بالخروج من أبعدهما ؛ لأنه أخذ في الخروج وإن بعد مسلكه ، فإن صعد إلى علوها للخروج من سطحهما ، وله باب يخرج منه حنث ؛ لأنه بالصعود في حكم المقيم ، ولو لم يقدر على الخروج من بابه لم يحنث بالصعود للخروج .