فصل : [ ] : ما يجب في الاجتهاد
وأما الفصل الثالث فيما يجب في الاجتهاد : فالذي يجب على المجتهد أن يقصد [ ص: 127 ] باجتهاده طلب الحق عند الله تعالى وإصابة العين التي يجتهد فيها هذا هو الظاهر من مذهب الشافعي والمعول عليه من مذهبه .
ويشبه أن يكون من مذهب المزني أن عليه أن يقصد باجتهاده طلب الحق عند نفسه ، لأن ما عند الله لا يعلم إلا بالنصوص .
والذي هو الظاهر من مذهب الشافعي أن عليه أن يقصد طلب الحق عند الله تعالى لأن الحق ما كان عنده حقا لا عند غيره .
وعلى كلا المذهبين عليه أن يتوصل باجتهاده إلى طلب الحق وإصابة العين فيجمع فيه بين هذين الشرطين .
وقال بعض أهل العراق من الفقهاء والمتكلمين : إن الذي على المجتهد هو الاجتهاد ليعمل بما يؤديه إليه اجتهاده فيجعلون عليه الاجتهاد ولا يجعلون عليه طلب الحق بالاجتهاد .
ويقال إنه مذهب أبي يوسف .
فأما أبو حنيفة فيقال : إن مذهبه فيه مختلف يجعل عليه في بعض الأحكام طلب الحق بالاجتهاد كقولنا ، ويجعل عليه في بعض الأحكام الاجتهاد ليعمل بما يؤديه إليه اجتهاده كقول أبي يوسف .
وقد اختلطت مذاهب الناس في هذا حتى التبست واشتبهت .
واستدل من أوجب عليه الاجتهاد ولم يوجب عليه طلب الحق بالاجتهاد وهو مذهب من جعل عليه الاجتهاد بغير أصل بأن ما أخفاه الله تعالى فلا طريق لنا إلى إظهاره وفي التزامه تكليف ما خرج عن الاستطاعة كإحياء الأجسام وقلب الأعيان .
وهذا فاسد ، لأن الاجتهاد استدلال والحكم هو الحق المطلوب به فلم يجز أن يختص الوجوب بالاستدلال دون الحكم المطلوب ، لأن الاستدلال مقصود بمدلول عليه وقد نصب الله تعالى على ما أخفاه أمارات توصل إليه فلم يخرج عن الاستطاعة .