مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويحلف المشركون أهل الذمة والمستأمنون ، كل واحد منهم بما يعظم من الكتب ، وحيث يعظم من المواضع ، مما يعرفه المسلمون ، وما يعظم الحالف منهم ، مثل قوله والله الذي أنزل التوراة على موسى ، والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، وما أشبه هذا ولا يحلفون بما يجهل معرفته المسلمون " .
قال الماوردي : وهذا صحيح : يحلف الكفار في الحقوق بالله تعالى كما يحلف المسلمون إذا جرى عليهم أحكام الإسلام بذمة أو بجزية
وهم ضربان : مقر بالله تعالى ، وجاحد له .
فأما المقر به فضربان : أهل الكتاب ، وغير أهل كتاب .
فأما أهل الكتاب ، فاليهود والنصارى ، وقد أجرى المسلمون المجوس مجراهم ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " " . سنوا بهم سنة أهل الكتاب
ويستظهر عليهم في اليمين بالله بما ينفي عنه احتمال التأويل ، كما تغلظ على المسلمين ، فإن كان الحالف يهوديا أحلفه الحاكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى . وتغلظ الأيمان عليهم بالمكان والزمان
وإن رأى أن يزيد على هذا ، فيقول : الذي نجى موسى وقومه من اليم ، وأغرق فيه فرعون وقومه ، فعل . وهذا في كل يمين وجب تغليظها أو لم يجب ، ليزول الاحتمال عن اسم من يحلف به ، وليخرج عن المألوف من لغو أيمانهم كما يحلف المسلم بالله - الطالب الغالب ، فيما يجب تغليظه ، وفيما لا يجب .
فإن كانت يمين اليهود يجب تغليظها بالمكان والزمان ، ومكان تغليظها كنائس اليهود ، لأنهم يرونها أشرف بقاعهم ، وإن لم يرها المسلمون كذلك .
وأما تغليظها بالزمان ، ففي وقت أشرف صلواتهم عندهم ، ولا يحلفهم بما لا [ ص: 116 ] يعرفه المسلمون من أيمانهم كقولهم : إهيا أشراهيا ولا بالعشر كلمات التي يدعونها ، ولا يعرفها المسلمون ، ولا باللسان العبراني إذا تكلموا بغيره ، فإن لم يتكلموا إلا به ، ولم يعرفوا غيره أحلفهم به إذا كان في المسلمين من يعرفه .