فصل : وإن ، فقد اختلف الفقهاء فيها : هل تكون على البت أو على العلم ؟ على ثلاثة مذاهب : كانت اليمين على نفي لبيع أو إجارة أو قرض
أحدها : وهو مذهب ابن أبي ليلى : أنها على البت كالإثبات سواء كانت على نفي فعل نفسه أو فعل غيره .
والثاني : وهو مذهب الشعبي والنخعي : أنها على العلم سواء كانت على نفي فعل نفسه أو فعل غيره .
والثالث : وهو مذهب الشافعي وأكثر الفقهاء : أنها إن كانت اليمين على نفي فعل نفسه ، فهي على البت ، فيقول : والله ما فعلت ، ولا بعت ، ولا أجرت ، ولا نكحت ، ولا طلقت . وإن كانت على نفي فعل غيره ، فهي على العلم دون البت ، فيقول : والله لا أعلم أن أبي باعك ، ولا أعلم أنه آجرك ، ولا أعلم أنه اقترض منك ، ولا أعلم أنه وصى لك ، لأنه على إحاطة علم بما نفاه عن نفسه ، فكانت يمينه فيه قطعا على البت [ ص: 119 ] وليس على إحاطة علم بما نفاه عن غيره ، لتعذر التواتر فيه ، واستعمال المظنون من أخبار الآحاد ، فكانت فيها بحسب ما أداه إلى العلم بهما ، وهو يعلم نفي فعله قطعا ، ونفي فعل غيره ظنا ، فحلف فيما قطع به على البت ، وفيما استعمل فيه غلبة الظن على العلم ، فعلى هذا لو وجب إحلافه على البت ، فأحلفه الحاكم على العلم كانت يمينه غير مجزئة ، وهو في الحكم بها بمثابة من لم يحلف ، ويجوز للخصم أن يستأنف الدعوى عليه عند ذلك الحاكم ، أو عند غيره .
ولو أجزأت يمينه ، وثبت بها الحكم فيما حلف عليه ، لأن يمين البت أغلظ ، ويمين العلم أخف ، فجاز أن يسقط الأخف بالأعلى ، ولم يجز أن يسقط الأغلظ بالأخف ، ولئن حلف على البت في موضع العلم ، فإنها تئول به إلى العلم لامتناع القطع منه . وجب إحلافه على العلم ، فأحلفه الحاكم على البت