مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " كان عليهما قيمة الباقي لشريكيهما سواء لا أنظر إلى كثير الملك ولا قليله ( قال ولو أعتق شريكان لأحدهما النصف وللآخر السدس معا أو وكلا رجلا فأعتق عنهما معا المزني ) هذا يفضي لأحد قوليه في الشفعة أن من له كثير ملك وقليله في الشفعة سواء ) .
قال الماوردي : وصورتها : في عبد مشترك بين ثلاثة لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه وللآخر سدسه ، وأعتق صاحبا النصف والسدس حقهما معا واجتماعهما عليه يكون من أحد ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يجتمعا على اجتماع اللفظين حتى لا يتقدم أحدهما على الآخر بحرف ، ولا مد ولا تشديد .
والثاني : أن يعلقا عتقه بصفة واحدة ، كقول كل واحد منهما : إن دخل هذا العبد الدار ، أو طار هذا الغراب فنصيبي منه حر ، فإذا دخل الدار ، أو طار الغراب عتق نصيبهما معا .
والثالث : أن يوكلا في عتقه وكيلا ، فيعتقه عنهما بلفظ واحد ، فإذا اجتمع عتقهما من أحد هذه الوجوه الثلاثة ، وكانا موسرين ، قومت حصة الثالث ، وهي الثلث ، عليهما بالسوية نصفين . وكان ولاؤه بين المعتقين فيصير لصاحب النصف ثلثا ولائه ، ولصاحب السدس ثلث ولائه ، ولا يعتبر فيهما قدر الملكين ويسوى بين من قل سهمه ، وكثر .
وقال مالك : يقوم عليهما بقدر الملكين ، ويفضل بينهما لتفاضلهما في المالين ؛ لأن التقويم مستحق بسراية عتقهما ، وسراية كثير العتق أكثر من سراية قليله . ودليلنا رواية ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . فاستوى فيه الواحد ، والجماعة ، لإطلاق أمره ، ولأنهما قد اشتركا في إدخال الضرر على شريكهما بقليل الملك وكثيره ؛ لأن قليله مدخل للضرر عليه مثل كثيره ، فوجب أن يستويا في التقويم الموجب لرفع ضررهما ، ولأن عتقهما يجري مجرى الجناية منهما ، وهما لو اشتركا في جناية تفاضلا في عدد جراحها فجرحه أحدهما جراحة ، وجرحه الآخر مائة جراحة كانت الدية بينهما على أعدادهما ، ولا تتقسط على أعداد جراحهما ، كذلك العتق يجب أن يكون معتبرا ، بأعداد المعتقين ، ولا يتقسط على أملاك المعتقين ، وسراية العتق كسراية الجناية ، فلم يسلم لمالك استدلاله . من أعتق شركا له في عبد وكان له مال قوم عليه
[ ص: 27 ] فأما المزني فإنه قال : " إذا استويا في التقويم مع تفاضلهما في الملك وجب أن يكونا في الشفعة ، كذلك إذا تفاضلا في الملك أن يستويا في الأخذ " .
قيل في الشفعة قولان :
أحدهما : أن الأمر فيها على هذا ، وأن يشترك صاحب النصف والسدس فيها بالسوية كالعتق .
والقول الثاني : أنهما يتفاضلان فيها بقدر المالين ، وإن تساويا في العتق .
والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الشفعة مستحقة بالملك ، فتقسط عليه ، والتقويم مستحق بالعتق ، فاستويا فيه .
والثاني : أن استحقاق الشفعة لإزالة الضرر بالتزام مئونة القسم وغيره ، والمئونة معتبرة بالملك ، فتقسطت الشفعة على الملك ، والتقويم مستحق بدخول الضرر بالعتق ، الجاري مجرى الجناية ، فتقسطت على المعتقين ، دون الملك ؟ ولو كانت المسألة بحالها ، وكان صاحب النصف موسرا ، ومعتق السدس معسرا ، قومت الحصة كلها على معتق النصف ، ولو كان معتق السدس موسرا ومعتق النصف معسرا ، قومت الحصة كلها على معتق السدس ، ولو كانا معسرين ، لم تقوم على واحد منهما ، وكانت الحصة على رقها لمالكها ، فلو ادعى عليها اليسار فأنكراه حلفا له ، ولا تقويم عليهما ، وفي عتق الحصة على مالكها بهذه الدعوى قولان : يعتق عليه في أحدهما ، إذا قيل إن العتق في حصته يقع بالسراية ، ولا يعتق عليه في الثاني إذا قيل إنها لا تعتق إلا بدفع القيمة .
فإن كان المدعي معسرا ، لم تسمع دعواه ؛ لأنها غير مؤثرة في حقه وتسمع من مالك الحصة ، لتأثيرها في حقه ، ولو كان موسرا سمعت دعواه ؛ لأنه يصير بيساره مشاركا له في تحمل القيمة ، ولا يسمع من مالك الحصة هذه الدعوى ؛ لأنها غير مؤثرة في حقه . والله أعلم . ولو ادعى أحد المعتقين على الآخر اليسار ،