الطرف الرابع : في الظلم والقضاء ، فيه مسائل . 
إحداها : تحته ثلاث نسوة ، بات عند ثنتين عشرين ليلة  ، إما عشرا عند هذه ثم عشرا عند هذه ، وإما ليلة ليله ، فتستحق الثالثة عشر ليال متوالية لا يجوز تفريقها . فلو نكح جديدة عقبى العشرين ، لم يجز تقديم العشر ؛ لأنه ظلم للجديدة ،   [ ص: 358 ] بل يوفيها أولا حق الزفاف ، ثم يقسم بين الجديدة والمظلومة ، ويجعل للمظلومة ليلتها وليلتي الآخرتين ، فيبيت عند الجديدة ليلة ، وعند المظلومة ثلاث ليال . 
فإذا دار هكذا ثلاث نوب ، فقد وفاها تسعا وبقيت ليلة . فإن كان بدأ بالمظلومة ، فإذا تمت التسع لها ، بات عند الجديدة ليلتها لتمام القسم ، ثم يبيت عند المظلومة ليلة لتمام العشر ، ويبيت عند الجديدة بهذه الليلة ثلث ليلة ثم يخرج إلى موضع خال عن زوجاته ، ثم يستأنف القسم بعد ذلك للأربع . وعن الشيخ  أبي محمد  ، أنه لا يبيت ثلث الليلة عند الجديدة ، ويعذر فيه ، وليس بشيء ، وإن كان بدأ بالجديدة ، فإذا تمت التسع للمظلومة ، بات ثلث ليلة عند الجديدة وخرج ، ثم يبيت ليلة عند المظلومة ، ثم يقسم بين كلهن بالسوية ، والقسم بين الجديدة والمظلومة بالقرعة كغيرها . 
الثانية : تحته أربع ، ثلاث حاضرات ، وواحدة غائبة ، فظلم واحدة من الحاضرات بالآخرتين ، ثم حضرت الغائبة  ، فيقضي للمظلومة مع رعاية حق التي حضرت ، فيقسم لها ليلة ، وللمظلومة ثلاثا ، وقد يحتاج آخرا إلى تبعيض ليلة كما سبق في المسألة الأولى ، وكذا لو كان يقسم بين نسائه ، فخرج في نوبة واحدة ، لضرورة ، بأن أخرجه السلطان ، فيقضي لها من الليلة التي بعدها مثل ما خرج ، والأولى أن يراعي الوقت ، فيقضي لأولى الليل من أوله ، ولآخرة من آخره ، ويكون باقي الليل في موضع خال عنهن ، ويستثنى ما إذا كان يخاف العسس أو اللصوص ونحو ذلك لو خرج ، فيعذر في الإقامة ، قاله  المتولي     . والأولى أن لا يستمتع بها فيما وراء زمان القضاء . 
 [ ص: 359 ] فرع 
قال في " الأم " : لو كان له أربع ، فترك القسم لإحداهن أربعين ليلة  ، قسم لها عشرا . قال الأصحاب : صورته أن يبيت عند الثلاث عشرا عشرا ، ويعطل عشر الرابعة ، فلا يبيت عند واحدة فيها . أما إذا وزع الأربعين على الثلاث بالسوية ، فحصة كل واحدة ثلاث عشرة ليلة وثلث ، فيقسم للرابعة مثل ذلك . 
الثالثة : لو وهبت واحدة حقها من القسم  ، لم يلزم الزوج القبول ، فله أن يبيت عندها في نوبتها . فإن رضي بالهبة ، نظر ، إن وهبت لمعينة ، جاز ويبيت عند الموهوب لها ليلتين . 
فإن كانت نوبة الواهبة متصلة بنوبة الموهوب لها  ، بات ليلتين ولاء ، وإلا فوجهان . أحدهما : أنه إذا انتهت النوبة إلى الموهوب لها ، بات عندها ليلتين ؛ لأنه أسهل عليه والمقدار لا يختلف . 
وقياس هذا ، أنه إذا كانت ليلة الواهبة أسبق ، وبات فيها عند الموهوب لها ، يجوز أن يقدم لها ليلتها ويبيتها متصلة بها ، وأصحهما : لا تجوز الموالاة ، بل يبيت الليلتين منفصلتين . 
ولو طلق الواهبة ، لم يبت عند الموهوب لها بعد ذلك إلا ليلتها ، ولا يشترط في هذه الهبة رضى الموهوب لها على الصحيح . 
وإن وهبت حقها للزوج ، فهل له تخصيص واحدة بنوبة الواهبة  ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، وبه قطع العراقيون   والروياني  وغيرهم ، وإليه ميل الأكثرين . 
فعلى هذا ، ينظر هل الليلتان متصلتان أم لا ؟ وحكمه ما سبق . 
والثاني : المنع ، فتجعل الواهبة كالمعدومة ، ويسوي بين الباقيات . 
ولو أبقى الدور بحاله ، وبات ليلة الواهبة في كل دور عند واحدة من الباقيات ، فلا تفضيل ولا ميل ، فلا يبعد تجويزه . فإن جاز ، فقياسه أن يجوز وضع الدور في الابتداء كذلك ، بأن تجعل ليلة بين لياليهن دائرة بينهن . 
ولو وهبت حقها لجميع الضرات ، أو أسقطت حقها مطلقا ، وجبت التسوية فيه بين الباقيات بلا خلاف . 
 [ ص: 360 ] فرع 
للواهبة أن ترجع في الهبة  متى شاءت ، ويعود حقها في المستقبل ؛ لأن المستقبل هبة لم تقبض . حتى لو رجعت في أثناء الليل ، يخرج من عند الموهوب لها . وأما ما مضى ، فلا يؤثر فيه الرجوع . وكذا ما فات قبل علم الزوج بالرجوع ، لا يؤثر فيه الرجوع فلا يقضيه . 
وخرج في قضائه وجه من تصرف الوكيل بعد العزل قبل العلم . والمذهب الأول . وشبهه   الغزالي  بما إذا أباحه ثمرة بستانه ثم رجع وتناول المباح له بعضها قبل العلم بالرجوع . 
وفي هذه الصورة طريقان محكيان فيما علق عن الإمام ، فعن  الشيخ أبي محمد  ، في وجوب الغرم قولان ، كمسألة الوكيل . وعن  الصيدلاني  القطع بالغرم ومال إليه الإمام ؛ لأن الغرامات يستوي فيها العلم والجهل . 
فرع 
لا يجوز أن تأخذ عن حقها من القسم عوضا ، لا من الزوج ولا من الضرة . فإن أخذت ، لزمها رده ، ويستحق القضاء على الصحيح ؛ لأنه لم يسلم لها العوض . وحكى ابن كج وجها أنه لا قضاء . 
فرع 
بات في نوبتها عند غيرها ، وادعى أنها وهبتها وأنكرت  ، فالقول قولها وعليه البينة ، ولا تقبل إلا شهادة رجلين . 
 [ ص: 361 ] الرابعة : إذا ظلم واحدة ، فقد سبق أنه يجب القضاء ، وإنما يمكن إذا كانت المظلومة والمظلوم بسببها في نكاحه ، فإن فارق المظلومة بطلاق أو غيره ، فقد تعذر القضاء ، وبقيت الظلامة في ذمته . 
قال  المتولي     : لو قسم لواحدة ، فلما جاءت نوبة الأخرى ، طلقها قبل توفية حقها  ، عصى ؛ لأنه منعها حقها بعد ثبوته ، وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعيا . 
قلت : هذا النقل غير مختص  بالمتولي  ، بل هو مشهور حتى في التنبيه . والله أعلم . 
ثم إذا عادت المظلومة إليه بنكاح أو رجعة ، والتي ظلم بسببها في نكاحه ، لزمه القضاء لتمكنه ، وقيل : إن عادت بنكاح جديد ، لم يستحق القضاء بناء على عدم عود الحنث . فلو لم تكن في نكاحه التي ظلم بسببها حين عادت المظلومة ، بل نكح جديدات ، فقد تعذر القضاء ؛ لأنه إنما يقضي من نوبة التي ظلم بسببها . 
ولو لم يفارق المظلومة وفارق التي ظلم بسببها ، ثم عادت إلى نكاحه ، أو فارقهما ثم عادتا ، وجب القضاء ، ولا يحسب من القضاء ما بات عندها في مفارقة الظالمة ، ويجيء في عود النكاح الجديد الوجه السابق . 
فرع 
في نكاحه ثلاث ، فبات عند ثنتين عشرين ليلة ، ثم فارق إحداهما  ، يبيت عند المظلومة عشرا تسوية بينهما وبين الباقية - كذا ذكره البغوي ، وقال   [ ص: 362 ] المتولي : يقضي خمسا فقط ؛ لأنه إنما يقضي العشر من حقهما وقد بطل حق إحداهما . 
فرع 
تحته زوجتان ، ظلم إحداهما ، ثم نكح ثالثة  ، لم يتعذر القضاء ، بل يقضي للمظلومة من نوبة المظلوم بسببها كما سبق . 
				
						
						
