الأمر الثاني في حكم قتله ، فإذا قتل قاطع الطريق  خطأ ، بأن رمى شخصا فأصاب غيره ، أو شبه عمد ، لم يلزمه القتل ، وتكون الدية على عاقلته ، وإن قتل عمدا ، فقد سبق أنه يتحتم قتله ، واختلفوا في حكم قتله ، فقالت طائفة وهو الأصح : هذا قتل فيه معنى القصاص ومعنى الحدود ؛ لأنه في مقابلة قتل ، ولكن لا يصح العفو عنه ويتعلق استيفاؤه بالسلطان ، وما المغلب من المعنيين ؟ فيه قولان ، وقال آخرون : هل يتمحض حقا لله تعالى أم فيه أيضا حق آدمي ؟ قولان ، أظهرهما : الثاني ، ويقال على هذا القول : أصل القتل في مقابلة القتل ، والتحتم حق لله تعالى ، ويتفرع على هذا الخلاف صور . 
منها : لو قتل قاطع الطريق من لا يكافئه ، كابنه وعبد وذمي  ، فإن لم يراع معنى القصاص وحق الآدمي ، قتلناه حدا ولم نبال بعدم الكفاءة ، وإن راعيناه ، لم نقتله به وأوجبنا الدية أو القيمة ، ولو قتل عبد نفسه  ، فقال   ابن أبي هريرة  والقاضي حسين     : هو على الخلاف ، وقال  أبو إسحاق     : لا يقتل قطعا ، كما لا يقطع إذا أخذ مال نفسه ، واختاره  الصيدلاني     . 
ومنها : لو مات ، فإن راعينا القصاص أخذنا الدية من تركته ، وإلا فلا شيء فيها . 
 [ ص: 161 ] ومنها : لو قتل في قطع الطريق جماعة  ، فإن راعينا القصاص ، قتل بواحد وللباقين الديات ، فإن قتلهم مرتبا ، قتل بالأول ، ولو عفا ولي الأول ، لم يسقط ، ذكره  البغوي  ، وإن لم نراع القصاص ، قتل بهم ، ولا دية . 
ومنها : لو عفا الولي على مال إن راعينا القصاص ، سقط القصاص ووجب المال ، وقتل حدا كمرتد وجب عليه قصاص ، وعفي عنه ، وإن لم نراعه ، فالعفو لغو . 
ومنها : لو تاب قبل القدرة ، لم يسقط القصاص إن راعينا معناه ويسقط الحد ، وإلا فلا شيء عليه . 
ومنها : لو قتل بمثقل ، أو بقطع عضو  ، فإن راعينا القصاص ، قتلناه بمثل ما قتل ، وإلا فيقتل بالسيف ، كالمرتد . 
ومنها : لو قتله شخص بغير إذن الإمام  إن راعينا القصاص ، لزمه الدية لورثته ولا قصاص ؛ لأن قتله متحتم ، ويجيء فيه وجه ، وإن لم نراعه ، فليس عليه إلا التعزير لافتئاته على الإمام . 
فرع 
إذا جرح قاطع الطريق جرحا ساريا  ، فهو قاتل ، وقد سبق حكمه ، وإن جرح جرحا واقفا ، نظر إن كان مما لا قصاص فيه كالجائفة ، فواجبه المال ولا قتل ، وإن كان مما فيه قصاص ، كقطع يد ورجل ، قوبلت بمثله ، وهل يتحتم القصاص في الجراحة ؟ فيه أقوال ، أظهرها : لا ، كما لا كفارة . والثاني : نعم . والثالث : يتحتم في اليدين والرجلين دون الأنف والأذن والعين وغيرها ، قال  ابن الصباغ     : لو قطع يد رجل ثم قتله ، فإن قلنا : الجراحة لا تتحتم ، فهو كما لو قطعه في غير المحاربة ثم قتله فيها ،   [ ص: 162 ] وسيأتي إن شاء الله تعالى . وإن قلنا : يتحتم ، قطع ثم قتل . ولو قطع في المحاربة وأخذ المال  ، نظر إن قطع يمينه ، فإن قلنا : لا يتحتم وعفا ، أخذ دية اليد ، وقطعنا يمين المحارب ورجله اليسرى حدا ، وإن لم يعف ، أو قلنا : يتحتم ، قطعت يمينه بالقصاص وقطعت رجله حدا ، كما لو قطع الطريق ولا يمين له ، وإن قطع يساره ، فإن قلنا : لا يتحتم وعفا ، أخذ الدية ، وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ، وإن لم يعف ، أو قلنا : بالتحتم ، قطعت يساره ، وتؤخر قطع اليمين والرجل اليسرى حتى تندمل اليسار ، ولا يوالى بين عقوبتين . 
فصل 
يوالى على قاطع الطريق بين قطع يده ورجله  ؛ لأن قطعهما عقوبة واحدة ، كالجلدات في الحد الواحد ، وإن كان مقطوع اليمين ، قطعت رجله اليسرى ولا تجعل اليد اليسرى بدلا عن اليمنى ، فإن كان مفقود اليد اليمنى والرجل اليسرى ، قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى ، ولو قطع يسار إنسان وسرق ، قطعت يساره قصاصا وأمهل إلى الاندمال ثم تقطع يمينه عن السرقة ولا يوالى ؛ لأنهما عقوبتان مختلفتان ، وقدم القصاص ؛ لأن العقوبة التي هي حق آدمي آكد من التي هي حق الله تعالى ؛ لأنها تسقط بما لا تسقط به عقوبة الآدمي بخلاف الحقوق المالية ، فإن فيها ثلاثة أقوال في أنه يقدم حق الله تعالى أم الآدمي ، أم يستويان لاستوائهما في التأكد وعدم السقوط بالشبهة ، ولو وجب قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى بقطع الطريق ، وقطع اليد اليسرى بقصاص ، قدم قطع اليسرى قصاصا ، ثم يمهل إلى الاندمال ، ثم يقطع العضوان لقطع الطريق ، ولو استحقت يمينه بقصاص وقطع للطريق ، فإن عفا   [ ص: 163 ] مستحق القصاص ، قطعت يمينه مع رجله اليسرى حدا ، وإلا فيقدم القصاص ، وتقطع الرجل اليسرى عن الحد ، وتقطع عقيب القصاص ، وقيل : يمهل بها إلى الاندمال ، والأول أصح ، ولو استحقت يده اليمنى ورجله اليسرى بقصاص وقطع طريق  ، نظر إن عفا مستحق القصاص ، قطع العضوان عن الحد ، وإن اقتص فيهما ، سقط الحد لفوات محله الذي تعلق به ، ولو قطع العضوين في قطع الطريق وأخذ المال  ، فإن قلنا : الجراحة في قطع الطريق لا تتحتم ، فهو كما لو قطع العضوين في غير المحاربة وقطع أيضا الطريق ، وإن قلنا : تتحتم ، قطعناهما قصاصا ، وسقط الحد ، كذا ذكره   الشيخ أبو حامد  وابن الصباغ  وغيرهما ، وسووا بين قطع العضوين قبل أخذ المال وبعده ، قال صاحب " المهذب " : إن قلنا بالتحتم ، فإن تقدم أخذ المال ، واقتص في العضوين ، سقط الحد ، وإن تقدم قطع العضوين ، ثم أخذ المال ، لم يسقط بالقصاص حد قطع الطريق ، بل تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى . 
				
						
						
