الطرف الثالث في تحمل الشهادة وأدائها    . أما الأداء ، فواجب في الجملة ، والكتمان حرام ، ويجب الأداء على متعين للشهادة  ، متحمل لها قصدا ، دعي من دون مسافة العدوى ، عدل ، لا عذر له ، فهذه   [ ص: 272 ] خمسة قيود    . 
الأول : التعيين ، فإن لم يكن في الواقعة إلا شاهدان بأن لم يتحمل سواهما ، أو مات الباقون ، أو جنوا ، أو فسقوا ، أو غابوا ، لزمهما الأداء ، فلو شهد أحدهما ، وامتنع الآخر ، وقال للمدعي : احلف مع الشاهد ، عصا ، وكذا الشاهدان على رد الوديعة لو امتنعا ، وقال للمودع : احلف على الرد ، عصيا ؛ لأن من مقاصد الإشهاد التورع عن اليمين ، ولو لم يكن في الواقعة إلا شاهد ، فإن كان الحق يثبت بشاهد ويمين ، لزمه الأداء ، وإلا فلا على الصحيح . 
وحكى   ابن كج  وجها في لزومه ؛ لأنه ينفع في اندفاع بعض تهمة الكذب . وإن كان في الواقعة شهود ، فالأداء عليهم فرض كفاية إذا فعله اثنان منهم ، سقط عن الباقين ، وإن طلب الأداء من اثنين ، ففي وجوب الإجابة عليهما وجهان ، وقال   ابن القاص  قولان ، أصحهما : الوجوب ، وليس موضع الخلاف ما إذا علمنا من حالهم رغبة أو إباء . 
القيد الثاني : كونه متحملا عن قصد  ، أما من سمع الشيء ، أو وقع بصره عليه اتفاقا ، فالأصح الموافق لإطلاق الجمهور أنه يلزمه الأداء أيضا ، لأنها أمانة وشهادة عنده ، والثاني : لا ، لعدم التزامه . 
القيد الثالث : أن يدعى لأداء الشهادة من مسافة قريبة  ، ومتى كان القاضي في البلد فالمسافة قريبة ، وكذا لو دعي إلى مسافة يتمكن المبكر إليها من الرجوع إلى أهله في يومه ، وإن دعي إلى مسافة القصر لم تجب الإجابة ، وإن كان بينهما لم تجب أيضا على الأصح ، وهذا كله تفريع على الصحيح ، وهو أن الشاهد يلزمه الحضور إلى القاضي لأداء الشهادة وعن القاضي  أبي حامد  أنه ليس على الشاهد إلا أداء الشهادة إن اجتمع هو والقاضي . 
القيد الرابع : كون الشاهد عدلا  ، فإن كان فاسقا ، ودعي لأداء الشهادة نظر إن كان فسقه مجمعا عليه ، ظاهرا أو خفيا ، حرم عليه أن   [ ص: 273 ] يشهد ، وإن كان مجتهدا فيه ، كشرب النبيذ ، لزمه أن يشهد ، وإن كان القاضي يرى التفسيق به ورد الشهادة ؛ لأنه قد يتغير اجتهاده . وفي أمالي  السرخسي  وجه أنه لا يجب ( في ) الفسق المجتهد فيه إذا كان ظاهرا ، وحكى   ابن كج  وجها أنه يجب مطلقا في الفسق الخفي ، وفي الظاهر وجهان ، والمذهب ما سبق ، وحكى   ابن كج  وجهين في أنه هل للشاهد أن يشهد بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده الشاهد ، كالبيع الذي يترتب عليه شفعة الجوار ، والشاهد لا يعتقدها . ولو كان أحد الشاهدين عدلا والآخر فاسقا فسقا مجمعا عليه ، لم يلزم العدل الأداء إن كان الحق لا يثبت بشاهد ويمين . 
القيد الخامس : عدم العذر ، كالمرض ونحوه  ، فالمريض الذي يشق عليه الحضور لا يكلف أن يحضر ، بل إما أن يشهد على شهادته ، وإما أن يبعث القاضي إليه ، بأن يسمع شهادته ، والمرأة المخدرة كالمريض ، وفيها الخلاف السابق في الباب الثالث من أدب القضاء ، وغير المخدرة يلزمها الحضور والأداء ، وعلى الزوج أن يأذن لها فيه ، وحكى الشيخ  أبو الفرج  وجهين في أنه هل يجب الحضور عند القاضي الجائر والمتعنت لأداء الشهادة ؛ لأنه لا يؤمن أن يرد شهادته جورا وتعنتا فيعير بذلك ، فعلى هذا عدالة القاضي وجمعه الشروط المعتبرة  شرط سادس . 
قلت : الراجح الوجوب . والله أعلم . 
وإذا اجتمعت شروط الوجوب لم يرهق القاضي إرهاقا ، بل إن كان في صلاة أو حمام ، أو على طعام ، فله التأخير إلى أن يفرغ ، ولا يمهل ثلاثة أيام على المشهور ، قال   ابن كج     : ولو شهد ورد القاضي شهادته   [ ص: 274 ] بعلة الفسق ، ثم طلب المدعي أن يشهد له عند قاض آخر ، لزمه الإجابة ولا يلزمه عند ذلك القاضي على الصحيح ، قال   ابن كج     : ولو دعي لأداء الشهادة عند أمير أو وزير ، قال   ابن القطان     : لا تلزمه الإجابة ، وإنما يلزمه عند من له أهلية سماع البينة وهو القاضي ، قال   ابن كج     : وعندي أنه يلزمه إذا علم أنه يصل به إلى الحق . 
قلت : قول   ابن كج  أصح . والله أعلم . 
فرع 
إذا امتنع الشاهد من أداء الشهادة بعد وجوبه حياء من المشهود عليه  ، قال  القاضي حسين     : يعصي ، ولا يجوز للقاضي قبول شهادته في شيء أصلا حتى يتوب ، ويوافق هذا ما قيل : إن المدعي لو قال للقاضي : عند فلان شهادة ، وهو ممتنع من أدائها ، فأحضره ليشهد ، لم يجبه القاضي ؛ لأنه فاسق بالامتناع بزعمه ، فلا ينتفع بشهادته . 
قلت : ينبغي أن يعمل هذا على ما إذا قال : هو ممتنع بلا عذر . والله أعلم . 
				
						
						
