فصل
لا يشترط لصحة الكتابة إسلام السيد ، بل . وفي تصح كتابة الكافر كإعتاقه خمسة أقوال منصوصة ومخرجة ، أظهرها : البطلان . والثاني : تصح . والثالث : موقوف على إسلامه . والرابع : يصح قبل الحجر عليه . وإن قلنا : يصير محجورا عليه بنفس الردة . والخامس : يصح قبل أن يصير عليه حجرا ، إما بنفس الردة ، وإما [ ص: 221 ] بحجر القاضي ، فإذا صححناها ، ولم نحجر عليه ، وقلنا : لا يصير محجورا عليه بالردة ، فدفع المكاتب النجوم إليه ، عتق ، وكان له الولاء ، ويملك النجوم ، لأنا حكمنا ببقاء ملكه على هذا القوم . إن أبطلناها ، لم يصح الأداء ، ويعتق . وإن قلنا : موقوف ، فالأداء موقوف ، فإن مات مرتدا بان بطلانها ، وكان العبد قنا ، وإن صار محجورا عليه بنفس الردة ، أو بحجر القاضي ، فإن أبطلناها ، فعلى ما ذكرنا إذا لم يكن حجر ، وإن صححناها ، أو توقفنا ، لم يجز دفع النجوم إليه ; لأن المحجور عليه لا يصح قبضه ، بل يجب دفعه إلى الحاكم ، فإن دفعها إلى المرتد ، لم يعتق ، ويستردها ويدفعها إلى الحاكم ، فإن تلفت وتعذر الاسترداد ، فإن كان معه ما يفي بالنجوم ، ودفعه إلى الحاكم ، فذاك ، وإلا فله تعجيزه . كتابة المرتد
ثم إن مات السيد على الردة بعد ما عجزه ، فهو رقيق ، وإن أسلم ، فهل يكفي التعجيز ؟ قولان أو وجهان . أظهرهما وهو نصه في " المختصر " : نعم ; لأن المنع من التسليم إليه كان لحق المسلمين ، فإذا أسلم ، صار الحق له ، فيعتمد بقبضه ، فعلى هذا يعتق إن كان دفع إليه كل النجوم . وقيل : لا يعتق ، ولا ينقلب القبض الممنوع منه صحيحا ، لكن يبقى مكاتبا ، فيستأنف الأداء ، ويمهل مدة الردة ، والصحيح المعروف الأول . ولو لم تبطل الكتابة ، كما لا يبطل بيعه ، لكن لا يجوز دفع النجوم إليه إن قلنا : زال ملكه ، وصار محجورا عليه ، فإن دفعها إليه ، فعلى ما ذكرناه . كاتب مسلم عبده ، ثم ارتد السيد
فرع
يجوز أن يكاتب عبده المرتد ، كما يجوز بيعه وتدبيره وإعتاقه ، [ ص: 222 ] ثم إن أدى النجوم في ردته من أكسابه ، أو تبرع بأدائها غيره ، عتق ، ثم جرى عليه حكم المرتدين ، وإن لم يؤدها ، وعاد إلى الإسلام ، بقي مكاتبا ، وإن لم يسلم ، قتل ، وكان ما في يده لسيده . ، فإن هلك على الردة ، كان ما في يده لسيده ، وارتفعت الكتابة . قال في " الأم " : ولا أجيز كتابة السيد المرتد ، والعبد المرتد ، إلا على ما أجيز عليه كتابة المسلمين ، بخلاف الكافرين الأصليين يتركان على ما يستحلان ، ما لم يتحاكما إلينا . قال : ولو لحق السيد بعد ردته بدار الحرب ، ووقف الحاكم ماله ، تتأدى كتابة مكاتبه ، فإن عجز رده إلى الرق فإن عجزه ثم جاء سيده ، فالتعجيز ماض ، ويكون رقيقا له ، فإن أسلم السيد ، ففي الاعتداد بما دفعه إليه ما سبق . وإن ارتد مكاتب ، لم تبطل كتابته
فرع
تصح ، هذا إذا كاتبوا على شرائط شرعنا ، فإن كاتب ذمي على خمر أو خنزير ، ثم أسلما أو ترافعا إلينا ، فإن كان ذلك قبل العوض المسمى ، فالعتق حاصل ، ولا رجوع للسيد على العبد ، وإن كان قبل القبض ، حكمنا بفسادها وإبطالها ، فإن وجد القبض بعد ذلك ، لم يحصل العتق ; لأنه لا أثر للكتابة الفاسدة بعد الفسخ والإبطال . وإن قبض بعد الإسلام ، ثم ترافعا ، حصل العتق ، لوجود الصفة ، ويرجع السيد على المكاتب بقيمته ، ولا يرجع المكاتب على السيد بشيء للخمر والخنزير . ولو كان المسمى ، له قيمة - رجع ، وإن قبض بعض المسمى في الشرك ، ثم أسلما ، أو ترافعا إلينا ، حكم ببطلان الكتابة ، فلو [ ص: 223 ] اتفق قبض الباقي بعد الإسلام وقبل إبطالها ، حصل العتق ، ورجع السيد عليه بجميع قيمته ، ولا يوزع على المقبوض والباقي ; لأن العتق يتعلق بالنجم الأخير ، وقد وجد في الإسلام . ولو أسلم عبد لذمي ، أو اشترى مسلما ، وصححنا شراءه ، وأمرنا بإزالة الملك عنه ، فكاتبه ، صحت الكتابة على الأظهر ; لأن فيه نظرا للعبد ، فإن عجز ، أمر بإزالة الملك . وإن قلنا : لا يصح ، أمر بإزالة الملك في الحال ، فإن أدى النجوم قبل الإزالة ، عتق بحكم الكتابة الفاسدة . ولو كتابة الذمي كتابيا كان أو مجوسيا ، وكتابة المستأمن ، لم ترتفع الكتابة على المذهب ، لقوة الدوام . كاتب ذمي عبده ، فأسلم المكاتب
فرع
تصح ; لأنه مالك ، فإن قهره سيده بعد الكتابة ، ارتفعت ، وصار قنا . ولو قهر سيده ، صار حرا ، وعاد السيد عبدا له ; لأن الدار دار قهر ، وكذا لو قهر حر حرا هناك ، بخلاف ما لو دخل السيد والمكاتب دار الإسلام بأمان ، ثم قهر أحدهما الآخر ، لا يملكه ; لأن الدار دار حق وإنصاف . كتابة الحربي
ولو خرج المكاتب إلينا مسلما هاربا من سيده ، ارتفعت الكتابة ، وصار حرا ; لأنه قهره على نفسه ، فزال ملكه عنه . وإن خرج غير مسلم ، نظر ، إن خرج بإذنه وأماننا ، لتجارة ، وغيرها ، استمرت الكتابة ، وإن خرج هاربا ، بطلت ، وصار حرا . ثم لا يمكن من الإقامة عندنا إلا بالجزية ، فإن لم يقبل ، أو كان ممن [ ص: 224 ] لا يقر بالجزية ، ألحق بمأمنه ، وإن جاءنا السيد مسلما ، لم يتعرض لمكاتبه هناك ، وإن دخل بأمان مع المكاتب ، ولم يقهر أحدهما الآخر ، وأراد العود إلى دار الحرب ، وكاتبه بعد ما دخلا ، وأراد العود ، فلم يوافقه المكاتب ، لم يكن له أن يحمله قهرا ، كما لا يسافر المسلم بمكاتبه ، بل يوكل من يقبض النجوم ، فإن أراد أن يقيم ، طولب بالجزية ، ثم إن عتق المكاتب طولب بالجزية أو رد إلى المأمن ، وإن عجز نفسه ، عاد قنا للسيد . قال ابن الصباغ : ويبقى الأمان فيه ، وإن انتقض في نفس سيده بعوده ; لأن المال ينفرد بالأمان . ولهذا لو بعث الحربي ماله إلى دار الإسلام بأمان ، ثبت الأمان للمال دون صاحبه ، ويجيء فيه الخلاف السابق في السيد ، فيمن رجع وخلف عندنا مالا . ولو مات السيد في دار الإسلام ، أو بعد العود إلى دار الحرب ، ففي مال الكتابة قولان . أظهرهما : يبقى الأمان فيه ، فيرسل إلى ورثته ; لأنه لا خلاف أنهم ورثوه ، ومن ورث مالا ، ورثه بحقوقه ، كالرهن والضمين . والثاني : يبطل الأمان فيه ، ويكون قنا ; لأنه مال كافر لا أمان له .
وإن سبي السيد بعد رجوعه إلى دار الحرب ، نظر ، إن من عليه أو فدي ، أخذ النجوم ، وهما بما جرى في أمان ما دام في دار الإسلام ، فإن رجع انتقض الأمان فيه . وفي المال إن تركه عندنا ما سبق ، وإن استرق ، زال ملكه . وفي مال الكتابة طريقان . أحدهما : قولان ، كالموت .
والثاني : لا يبطل قطعا ; لأنه ينتظر عتقه ومصيره مالكا ، بخلاف الميت . وأما ولاء هذا المكاتب ، فإن عتق قبل استرقاق السيد ، فطريقان ، أحدهما : أن الولاء كالمال ، فإن جعلناه فيئا ، فالولاء لأهل الفيء ، وإن توقفنا ، فكذلك نتوقف في الولاء . والثاني [ ص: 225 ] وهو المذهب : أنه يسقط ولاؤه ; لأن الولاء لا يورث ، ولا ينتقل من شخص إلى شخص . وإن استرق السيد قبل عتق المكاتب ، فإن جعلنا ما في ذمته فيئا ، فادعي عتق بدفعه إلى المكاتب ، ففي الولاء وجهان . وإن قلنا : موقوف ، فإن عتق السيد ، دفع المكاتب المال إليه ، وكان له الولاء ، وإن مات رقيقا ، وصار المال فيئا ، ففي الولاء الوجهان . ولو قال المكاتب في مدة التوقف : انصبوا من يقبض المال لأعتق ، أجيب إليه ، وإذا عتق ، فليكن في الخلاف . وقيل : يبنى على أن مكاتب المكاتب إذا عتق تفريعا على صحة كتابته ، يكون ولاؤه لسيد المكاتب ، أو يوقف على عتق المكاتب . وفيه قولان . إن قلنا بالأول ، فالولاء هنا لأهل الفيء ، وإن قلنا بالثاني ، فيوقف . قال الروياني : الأصح عند الأصحاب أنه يوقف المال والولاء ، فإن عتق ، فهما له ، وإن مات رقيقا ، فالمال فيء ، ويسقط الولاء .
فرع
كاتب مسلم عبدا كافرا في دار الإسلام أو الحرب ، صح ، فإن عتق ، لم يمكن من الإقامة بدارنا إلا بجزية ، فإن كاتب بدار الحرب ، فأسر ، لم تبطل كتابته ; لأنه في أمان سيده . ولو استولى الكفار على مكاتب مسلم ، لم تبطل كتابته ، وكذا لم يبطل التدبير والاستيلاد ، فإذا استنقذ المسلمون مكاتبه ، فهل يحسب عليه مدة الأسر من أجل مال الكتابة ؟ طريقان . أحدهما : كما لو حبسه السيد ، والمذهب القطع بالاحتساب ، لعدم تقصير السيد . وهل للسيد الفسخ بالتعجيز وهو الأسر ؟ إن قلنا : يحسب ، فله ذلك . ثم هل يفسخ بنفسه كما لو [ ص: 226 ] حضر المكاتب ، أو يرفع الأمر إلى القاضي ليبحث هل له مال ؟ وجهان . أظهرهما : الأول . فإذا فسخت ، وخلص ، وأقام بينة أنه كان له من المال ما يكفي بالكتابة ، بطل الفسخ ، وأدى المال وعتق .