الركن الرابع : المكاتب  ، وشرطه  كونه مكلفا مختارا ، فلا تصح كتابة مجنون ، ولا صبي وإن كان مميزا ، ولا مكره . ولو كاتب البالغ لنفسه ولأولاده الصغار ، لم يصح لهم . وفي صحتها لنفسه قولا تفريق الصفقة . ولو كاتب عبده الصغير أو المجنون وقال في كتابته : إذا أديت كذا فأنت حر ، فوجدت الصفة ، عتق ، هكذا قال الأصحاب ، وفيه احتمال للإمام . ثم قيل : يعتق بحكم كتابة فاسدة ; لأنه لم يرض بعتقه إلا بعوض . فعلى هذا يرجع السيد عليه بقيمته ، ويرجع هو على السيد بما دفع ، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يعتق بمجرد الصفة ، وليس لما جرى - حكم الكتابة الفاسدة في التراجع ولا غيره ، ولا تصح كتابة عبد مرهون ; لأنه مرصد للبيع ، ولا مستأجر ; لأنه مستحق المنفعة ، وتصح كتابة المعلق عتقه بصفة ، والمدبر ، والمستولدة . 
وفي المستولدة وجه . ولو قبل الكتابة من السيد أجنبي على أن يؤدي عن العبد كذا في نجمين ، فإذا أداها ، عتق العبد ، فهل يصح ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، كخلع الأجنبي . والثاني : لا ، لمخالفة موضوع الباب ، فإن صححناها ، فهل تجوز حالة ؟ وجهان . وإن لم نصححها ، فأدى - عتق العبد بالصفة ، ويرجع المؤدي على السيد بما أدى ، والسيد عليه بقيمة العبد . 
 [ ص: 227 ] قلت : الأصح أنها لا تصح . والله أعلم . 
فصل 
إذا كاتب بعض عبده  ، إن كان باقيه حرا ، صحت الكتابة ؛ لأنها استغرقت الرقيق منه ، فإن كاتب جميعه والحالة هذه ، بطلت في الحر منه . وفي الباقي قولا تفريق الصفقة ، وكذا لو كان يعتقد الرق في جميعه ، فبان بعضه حرا . 
فإن قلنا : تفسد لم يعتق حتى يؤدي جميع المسمى ؛ لتتحقق الصفة ، فإذا عتق استرد من السيد ما أدى ، وللسيد قسط القدر الذي كاتبه من القيمة . 
وإن قلنا : يصح ، فهل يستحق جميع المسمى ، أم قسط الرقيق من القيمة ؟ قولان ، كالبيع إذا أجازه في المملوك . 
أما إذا كاتب بعض عبد ، وباقيه [ رقيق ] ، فللرقيق حالان . 
أحدهما : أن يكون له أيضا ، فلا تصح كتابته على المذهب والمنصوص ، وبه قطع الجمهور . 
فإن صححنا ، وكان بينه وبين السيد مهايأة ، وكسب النجوم في نوبته ، فأداها عتق القدر الذي كاتبه وسرى إلى الباقي . 
وإن لم تكن مهايأة ، فكسبه بينهما ، فإن كسب ما يفي بقسط السيد والنجوم ، عتق ، وإن لم يكسب إلا قدر النجوم ، ففي العتق خلاف سنذكر نظيره إن شاء الله تعالى . 
وإن لم نصححها ، فهي كتابة فاسدة ، فإن أدى المال قبل أن يفسخها السيد ، عتق والسراية كما ذكرنا ، ثم يرجع المكاتب على السيد بما أدى ، ويرجع السيد عليه بقسط القدر المكاتب من القيمة ، ولا يرجع بقسط ما سرى العتق إليه ؛ لأنه لم يعتق بحكم الكتابة . 
 [ ص: 228 ] الحال الثاني : أن يكون الباقي لغيره ، فإذا كاتب أحد الشريكين نصيبه ، إن كان بإذن الآخر ، فقولان أظهرهما : لا يصح ؛ لأن الشريك الآخر يمنعه من التردد والمسافرة ، ولا يمكن أن يصرف إليه سهم المكاتبين من الزكاة . 
والثاني : يصح ، كما يصح إعتاق بعضه . وإن كاتبه بغير إذن الآخر ، لم يصح على المذهب . وقيل بطرد الخلاف . 
فإن أفسدنا كتابة الشريك ، فللسيد إبطالها ، فإن لم يفعل ، ودفع العبد إلى الذي لم يكاتبه بعض كسبه ، وإلى الذي كاتب بعضه بحسب الملك حتى أدى مال الكتابة عتق ، ويقوم نصيب الشريك على الذي كاتب بشرط يساره ، ويرجع العبد عليه بما دفع ، ويرجع هو على العبد بقسط القدر الذي كاتبه من القيمة . 
وإن دفع جميع ما كسبه إلى الذي كاتبه حتى تم قدر النجوم فوجهان ، ونقلهما  الصيدلاني  قولين أحدهما : يعتق ؛ لأن العتق في الكتابة الفاسدة يتعلق بحصول الصفة ، وقد حصلت . 
وأصحهما : لا يعتق ؛ لأن المعاوضة تقتضي إعطاء ما تملكه لينتفع به المدفوع إليه . 
وأجري الخلاف فيما لو قال : إن أعطيتني عبدا ، فأنت حر ، فأعطاه عبدا مغصوبا ، هل يحصل العتق ؟ 
[ فإن قلنا : لا يعتق ] فللذي لم يكاتب أن يأخذ نصيبه مما أخذه الذي كاتب ، ثم إن أدى العبد تمام النجوم من حصته من الكسب عتق ، وإلا فلا . 
وإن قلنا : يعتق فيأخذ نصيبه أيضا . والتراجع بين الذي كاتب والعبد ، وسراية العتق على ما سبق . 
وإن صححنا كتابة الشريك ، فدفع العبد من كسبه إلى الذي كاتبه حصته ، أو جرت بينه وبين الذي لم يكاتبه مهايأة ، فدفع ما كسبه في نوبة   [ ص: 229 ] نفسه إلى الذي كاتبه حتى تمت النجوم عتق ، وقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسرا ، وكذا لو أبرأه عن النجوم أو أعتقه . 
وإن دفع إليه كل كسبه حتى تم قدر النجوم ، فقيل : في حصول العتق وجهان أو قولان ، كما ذكرنا تفريعا على الفساد ، والمذهب القطع بالمنع ؛ لأن الكتابة إذا صحت ، غلب فيها حكم العارضات . 
وفي العارضات تسلم غير المملوك كعدمه ، وأما الفاسدة ، فالمغلب فيها حكم الصفة . 
فرع 
أذن الشريك في كتابة نصيبه  ، فله أن يرجع عن الإذن ، فإن لم يعلم الشريك برجوعه حتى كاتب ، فعلى الخلاف في تصرف الوكيل بعد العزل وقبل العلم به . 
ولو كاتب نصيبه بإذن الشريك ، وجوزناه ، فأراد الآخر كتابة نصيبه ، هل يحتاج إلى إذن الأول ؟ وجهان . 
فرع 
كاتب أحدهما نصيبه ، وقال للآخر : كاتبته بإذنك ، فأنكر ، فإن قال مع ذلك : قد أدى المال عتق بإقراره ، وقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسرا . 
وإن لم يقر بالأداء ، فالقول قول المنكر بيمينه ، فإن حلف بطلت الكتابة ، وإن نكل حلف الذي كاتب ، فإن نكل حلف العبد . 
هكذا حكاه   ابن كج  عن   ابن القطان  ، قال : وعنده ينبغي أن يكون هذا التداعي بين الشريك والمكاتب ، فإذا ادعى المكاتب الإذن ، وأنكر الشريك صدق ، فإن نكل حلف المكاتب ، وثبتت الكتابة . 
 [ ص: 230 ] فرع 
إذا كاتب الشريكان العبد معا ، أو وكلا من كاتبه ، أو وكل أحدهما الآخر فكاتبه صحت الكتابة قطعا إن اتفقت النجوم جنسا وأجلا وعددا ، وجعلا حصة كل واحد من النجوم بحسب اشتراكهم في العبد ، أو أطلقا فإنها تقسم كذلك . 
وإن اختلفت النجوم في الجنس ، أو قدر الأجل ، أو العدد أو شرط التساوي في النجوم مع التساوي في الملك ، أو بالعكس ففي صحة كتابتهما القولان فيما إذا انفرد أحدهما بكتابة نصيبه بإذن الآخر . 
وقيل : تبطل قطعا ، فلا يشترط استواء ملك الشريكين في الذي تكاتبا فيه . وقيل : يشترط ، وليس بشيء . 
فرع 
من بعضه رقيق ، لا يجوز صرف الزكاة إليه للقدر المكاتب منه على الصحيح أو المشهور ، وحكي وجه وقول ، ومال  الروياني  إلى تفصيل حسن ، وهو أنه إن لم يكن بينهما مهايأة لا يجوز ، وإلا فيجوز في اليوم نفسه . 
فرع 
إذا كاتباه ، ثم عجز ، فعجزه أحدهما ، وفسخ الكتابة ، وأراد الآخر إنظاره وإبقاء الكتابة ، فالمذهب أنه كابتداء الكتابة ، فلا يجوز بغير إذن الشريك على المذهب ، ولا بإذنه على الأظهر . 
ومنهم من قطع بالجواز بالإذن ؛ لأن الدوام أقوى من الابتداء . وهل يكون التوافق على ابتداء الكتابة إذنا في إبقائها ؟ وجهان . 
أحدهما : نعم ؛ لأنهما   [ ص: 231 ] إذا توافقا فقد رضيا بأحكامها . ومن أحكامها جواز الإنظار عن العجز . وأصحهما : المنع ، وجعل الإرقاق ناقضا لما جرى به الإذن . 
ولو كاتب رجل عبده ، ومات عن ابنين ، وعجز المكاتب  ، فأرقه أحدهما ، وأراد الآخر إنظاره ، ففيه الطريقان ، وأولى بالإبقاء ؛ لأنها صدرت أولا من واحد ، فيصير كأنه كاتب بعض عبده . 
				
						
						
