فصل 
قد ذكرنا الكتابة  الصحيحة بأركانها وشروطها . فأما التي لا تصح ، فتنقسم إلى باطلة وفاسدة . 
أما الباطلة فهي التي اختل بعض أركانها ، بأن كان السيد صبيا ، أو مجنونا ، أو مكرها على الكتابة ، أو كان العبد كذلك ، أو كاتب ولي الصبي والمجنون عبدهما ، أو لم يجر ذكر عوض ، أو ذكر ما لا يقصد ، ولا مالية فيه ، كالحشرات ، والدم ، أو اختلت الصيغة ، بأن فقد الإيجاب أو القبول ، أو لم يوافق أحدهما الآخر . 
وأما الفاسدة ، فهي التي اختلت صحتها لشرط فاسد في العوض ، بأن ذكر خمرا ، أو خنزيرا ، أو مجهولا ، أو لم يؤجله ، أو لم ينجمه ، أو كاتب بعض العبد . وضبطها الإمام فقال : إذا صدرت الكتابة إيجابا وقبولا ممن تصح عبارته ، وظهر اشتمالها المالية ، لكنها لم تجمع شرائط الصحة ، فهي الكتابة الفاسدة ، وجعل  الصيدلاني  الكتابة على دم أو ميتة كتابة فاسدة ، كالكتابة على خمر . 
 [ ص: 232 ] إذا عرف هذا فالكتابة الباطلة لاغية إلا أنه إذا صرح بالتعليق ، وهو ممن يصح تعليقه ثبت حكم التعليق . 
وأما الفاسدة ، فإنها تشارك الصحيحة في بعض الأحكام كما سنذكره على الأثر إن شاء الله تعالى بخلاف البيع وغيره من العقود ، لا يفرق بين فاسدها وصحيحها ؛ لأن مقصود الكتابة العتق ، وهو لا يبطل بالتعليق على فاسد . 
قال الأصحاب : تعليق العتق  بالصفة ثلاثة أقسام . 
أحدها : التعليق الخالي عن المعاوضة  كقوله : إن دخلت الدار ، أو كلمت فلانا ، فأنت حر . 
ومن هذا : إن أديت إلي كذا فأنت حر ، فإن المال ليس مذكورا على سبيل المعاوضة ، فهذا القسم لازم من الجانبين ، فليس للسيد ، ولا للعبد ، ولا لهما رفعه بالقول ، ويبطل بموت السيد . 
وإذا وجدت الصفة في حياة السيد عتق ، وكسبه قبل وجود الصفة للسيد . ولو أبرأه في صورة التعليق بأداء المال عن المال لم يعتق ، ولا تراجع بين السيد وبينه . 
القسم الثاني : التعليق في عقد يغلب فيه معنى المعاوضة  ، وهو الكتابة الصحيحة ، وستأتي أحكامها إن شاء الله تعالى . 
الثالث : التعليق في عقد فيه معنى المعاوضة ، ويغلب فيه معنى التعليق  ، وهو الكتابة الفاسدة ، وهي كالصحيحة في أحكام . 
أحدها : أنه إذا أدى العبد المسمى عتق بموجب التعليق ، ولا يعتق بإبراء السيد ، ولا بأداء الغير عنه تبرعا ؛ لأن الصفة لا تحصل بهما . ولو اعتاض عن المسمى لم يعتق أيضا . 
 [ ص: 233 ] الثاني : أنه يستقل بالاكتساب ، فيتردد ويتصرف ، فيؤدي المسمى ويعتق . وإذا أدى ، فما فضل من الكسب ، فهو له ؛ لأن الفاسدة كالصحيحة في حصول العتق بالأداء ، فكذلك في الكسب ، وولد المكاتب من جارية ككسبه ، لكن لا يجوز له بيعه ؛ لأنه مكاتب عليه ، فإذا عتق تبعه ، وعتق عليه . 
وهل يتبع المكاتبة كتابة فاسدة ولدها ؟ طريقان . 
المذهب : نعم ، كالكسب . والثاني : قولان ، كما سبق في باب التدبير في ولد المعلق عتقها بصفة . 
الثالث : ذكر الإمام   والغزالي  أنه إذا استقل ، سقطت نفقته عن السيد ، وأن معاملته كالمكاتب كتابة صحيحة . 
والذي ذكره  البغوي  أنه لا تجوز معاملته مع السيد ، ولا ينفذ تصرفه فيما في يده ، كما في المعلق عتقه بصفة ، ولعل هذا أقوى . 
فرع 
المكاتب كتابة صحيحة ، هل له السفر بغير إذن السيد  ؟ فيه نصان ، فقيل : قولان أظهرهما : الجواز ؛ لأنه يستعين به على الكسب ، ولأنه في يد نفسه ، وعليه دين مؤجل ، فلم يمنع السفر . 
وقيل : نص الجواز محمول على سفر قصير ، والمنع على طويل . وقيل : الجواز إذا لم يحل النجم ، والمنع إذا حل ، فإن جوزناه ، فهل يجوز للمكاتب كتابة فاسدة ؟ وجهان ، أصحهما : لا . 
				
						
						
