باب أداء الزكاة
وهو واجب على الفور بعد التمكن ، ثم الأداء يفتقر إلى فعل ونية . أما الفعل ، فثلاثة أضرب .
[ ص: 205 ] أحدها : أن يفرق المالك بنفسه ، وهو جائز في الأموال الباطنة وهي الذهب ، والفضة ، وعروض التجارة ، والركاز ، وزكاة الفطر .
قلت : وفي زكاة الفطر وجه ، أنها من الأموال الظاهرة ، حكاه في البيان ونقله في الحاوي عن الأصحاب مطلقا ، واختار أنها باطنة وهو ظاهر ، نص ، وهو المذهب ، والله أعلم . الشافعي
وأما الأموال الظاهرة وهي المواشي ، والمعشرات ، والمعادن ، ففي جواز تفريقها بنفسه قولان . أظهرهما وهو الجديد : يجوز ، والقديم : لا يجوز ، بل يجب صرفها إلى الإمام إن كان عادلا ، فإن كان جائرا ، فوجهان . أحدهما : يجوز ولا يجب ، وأصحهما : يجب الصرف إليه ؛ لنفاذ حكمه وعدم انعزاله ، وعلى هذا القول لو فرق بنفسه لم تحسب ، وعليه أن يؤخر ما دام يرجو مجيء الساعي ، فإذا أيس ، فرق بنفسه .
الضرب الثاني : أن يصرف إلى الإمام وهو جائز .
الثالث : أن يوكل في الصرف إلى الإمام ، أو التفرقة على الأصناف حيث تجوز التفرقة بنفسه ، وهو جائز . وأما أفضل هذه الأضرب ، فتفرقته بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف ؛ لأن الوكيل قد يخون ، فلا يسقط الفرض عن الموكل ، وأما الأفضل من الضربين الآخرين فإن كانت الأموال باطنة فوجهان ، أصحهما عند جمهور الأصحاب من العراقيين وغيرهم وبه قطع الصيدلاني : الدفع إلى الإمام أفضل ؛ لأنه يتيقن سقوط الفرض به ، بخلاف تفرقته بنفسه ، فإنه قد يدفع إلى غير مستحق ، والثاني : بنفسه أفضل ؛ لأنه أوثق ، وليباشر العبادة ، وليخص الأقارب والجيران والأحق ، وإن كانت الأموال ظاهرة ، فالصرف إلى الإمام أفضل قطعا ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وطرد فيه الخلاف . الغزالي
ثم حيث قلنا : الصرف إلى الإمام أولى ، فذاك إذا كان عادلا ، فإن كان جائرا ، فوجهان . أحدهما أنه كالعادل ، وأصحهما : ، ولنا وجه أنه لا يجوز الصرف إلى الجائر ، وهذا غريب ضعيف مردود . التفريق بنفسه أفضل
[ ص: 206 ] قلت : والدفع إلى الإمام أفضل من الوكيل قطعا ، صرح به صاحب الحاوي ووجهه على ما تقدم ، والله أعلم .
بلا خلاف ، بذلا للطاعة ، فإن ولو طلب الإمام زكاة الأموال الظاهرة ، وجب التسليم إليه ، قاتلهم الإمام وإن أجابوا إلى إخراجها بأنفسهم ، فإن لم يطلبها الإمام ولم يأت الساعي ، أخرها رب المال ما دام يرجو مجيء الساعي ، فإذا أيس فرق بنفسه ، نص عليه امتنعوا . فمن الأصحاب من قال : هذا تفريع على جواز تفرقته بنفسه ، ومنهم من قال : هذا جائز على القولين ، صيانة لحق المستحقين عن التأخير ، ثم إذا فرق بنفسه وجاء الساعي مطالبا ، صدق رب المال بيمينه ، واليمين واجبة أو مستحبة ؟ وجهان ، فإن قلنا : واجبة ، فنكل ، أخذت منه الزكاة لا بالنكول ، بل لأنها كانت واجبة والأصل بقاؤها . الشافعي
قلت : الأصح أن اليمين مستحبة ، والله أعلم .
وأما ، فقال الأموال الباطنة الماوردي : ليس للولاة نظر في زكاتها ، وأربابها أحق بها ، فإن بذلوها طوعا ، قبلها الوالي ، فإن ؟ فيه وجهان يجريان في المطالبة بالنذور والكفارات . علم الإمام من رجل أنه لا يؤديها بنفسه ، فهل له أن يقول : إما أن تدفع بنفسك ، وإما أن تدفع إلي حتى أفرق
قلت : الأصح وجوب هذا القول إزالة للمنكر ، ولو طلب الساعي زيادة على الواجب ، لا يلزم تلك الزيادة ، وهل يجوز الامتناع من دفع الواجب لتعديه ، أم لا يجوز خوفا من مخالفة ولاة الأمر ؟ وجهان . أصحهما : الثاني ، والله أعلم .
وأما النية ، فواجبة قطعا ، وهل تتعين بالقلب ، أم يقوم النطق باللسان مقامها ؟ فيه طريقان . أحدهما : يتعين كسائر العبادات ، وأشهرهما على وجهين ، وقيل : على قولين أصحهما : تتعين ، والثاني : يتخير بين القلب والاقتصار على اللسان . ثم أن ينوي : هذا فرض زكاة مالي ، أو فرض صدقة مالي ، [ ص: 207 ] أو زكاة مالي المفروضة ، أو الصدقة المفروضة ، ولا يكفي التعرض لفرض المال ؛ لأن ذلك قد يكون كفارة ونذرا ، ولا يكفي مطلق الصدقة على الأصح ، صفة النية ، على المذهب ، وقيل : وجهان ، كما لو نوى الظهر فقط ، وهذا ضعيف ، فإن الظهر قد تقع نفلا ، ولا تقع الزكاة إلا فرضا ، ولا يجب ولو نوى الزكاة دون الفرضية أجزأه ، فلو ملك مائتي درهم حاضرة ، ومائتين غائبة ، فأخرج عشرة بلا تعيين ، جاز ، وكذا لو ملك أربعين شاة وخمسة أبعرة ، فأخرج شاتين بلا تعيين ، أجزأه ، ولو أخرج خمسة دراهم مطلقا ، ثم بان تلف أحد المالين أو تلف أحدهما بعد الإخراج ، فله أن يجعل المخرج عن الباقي ، فلو عين مالا ، لم ينصرف إلى غيره ، كما لو أخرج الخمسة عن الغائب ، فبان تالفا ، لم يكن له صرفه إلى الحاضر على الأصح ، ولو قال : هذه عن مالي الغائب ، إن كان باقيا ، فبان تالفا ، لم يكن له صرفه إلى الحاضر على الأصح ، ولو قال : هذه عن الغائب ، فإن كان تالفا ، فهي صدقة ، أو قال : إن كان الغائب باقيا ، فهذه زكاته ، وإلا فهي صدقة ، جاز ، لأن هذه صفة إخراج زكاة الغائب لو اقتصر على زكاة الغائب ، حتى لو بان تالفا ، لا يجوز له الاسترداد إلا إذا صرح فقال : هذه عن مالي الغائب ، فإن بان تالفا استردها ، وليست هذه الصورة كما لو أخرج الخمسة فقال : إن كان مورثي مات وورثت ماله ، فهذه زكاته ، فبان أنه ورثه ، لا يحسب المخرج زكاة ؛ لأن الأصل عدم الإرث ، وهنا الأصل بقاء المال ، والتردد اعتضد بالأصل ، ونظيره أن يقول في آخر رمضان : أصوم غدا إن كان من رمضان ، يصح ، ولو قال في أوله : أصوم غدا إن كان من رمضان ، لم يجزئه ، وهو نظير مسألة الإرث . تعيين المال المزكى
أما إذا قال : هذه زكاة الغائب ، فإن كان تالفا فعن الحاضر ، فالمذهب الذي قطع به الجمهور : إن كان الغائب باقيا ، وقع عنه ، وإلا وقع عن الحاضر ، ولا يضر التردد ؛ لأن التعيين ليس بشرط ، حتى لو قال : هذه عن الحاضر أو الغائب ، أجزأه ، وعليه خمسة للآخر . بخلاف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت إن كان دخل وإلا [ ص: 208 ] فعن الفائتة لا تجزئه ؛ لأن التعيين شرط ، وعن صاحب التقريب تردد في إجزائه عن الحاضر ، ولو قال : هذه عن الغائب إن كان باقيا وإلا فعن الحاضر ، أو هي صدقة ، وكان الغائب تالفا - لم يقع عن الحاضر ، كما قال رحمه الله : لو الشافعي - لم يجزئه ؛ لأنه لم يخلص القصد عن الفرض ، وقولنا في هذه المسائل : مال غائب ، يتصور إذا كان غائبا في بلد آخر - وجوزنا نقل الصدقة - أو معه في البلد وهو غائب عن مجلسه . قال : إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته ، أو نافلة وكان سالما