النوع الرابع : وفيه فصلان . في الأكل من الأضحية والهدي
الأول : في الأكل من الواجب ، فكل هدي وجب ابتداء من غير التزام ، كدم التمتع والقران وجبرانات الحج ، لا يجوز الأكل منه . فلو أكل منه ، غرم ، ولا تجب إراقة الدم ثانيا . وفيما يغرمه ، أوجه : أصحها وهو نصه في القديم : يغرم قيمة اللحم كما لو أتلفه غيره . والثاني : يلزمه مثل ذلك اللحم . والثالث : يلزمه شراء شقص من حيوان مثله ، ويشارك في ذبحه ؛ لأن ما أكله بطل حكم إراقة الدم فيه ، فصار كما لو ذبحه وأكل الجميع ، فإنه يلزمه دم آخر .
وأما الملتزم بالنذر من الضحايا والهدايا ، فإن عين بالنذر عما في ذمته من دم حلق وتطيب أو غيرهما شاة ، لم يجز له الأكل منها ، كما لو ذبح شاة بهذه النية بغير نذر ، وكالزكاة . وإن نذر نذر مجازاة ، كتعليقه التزام الهدي ، أو الأضحية بشفاء المريض ونحوه ، لم يجز الأكل أيضا ، كجزاء الصيد . ومقتضى كلامهم : أنه لا فرق بين كون الملتزم معينا ، أو مرسلا في الذمة ، ثم يذبح عنه . فإن أطلق الالتزام ، فلم يعلقه بشيء ، وقلنا بالمذهب : إنه يلزمه الوفاء ، فإن كان الملتزم معينا ، بأن قال : لله علي أن أضحي بهذه ، أو أهدي هذه ، ففي جواز الأكل منها قولان ووجه ، أو ثلاثة أوجه . الثالثة : يجوز الأكل من الأضحية دون الهدي ، حملا لكل واحد على المعهود الشرعي . ومن هذا القبيل ، ما إذا قال : جعلت هذه الشاة ضحية من غير تقدم التزام . أما إذا التزم في الذمة ، ثم عين شاة عما عليه ، فإن لم نجوز الأكل في المعينة ابتداء ، فهنا أولى ، وإلا ، فقولان ، أو وجهان .
[ ص: 222 ] هكذا فصل حكم الأكل في الملتزم كثيرون من المعتبرين ، وهو المذهب . وأطلق جماعة وجهين ، ولم يفرقوا بين نذر المجازاة وغيره ، ولا بين الملتزم المعين والمرسل ، وبالمنع قال أبو إسحاق . قال المحاملي : وهو المذهب ، والجواز اختيار القفال ، والإمام . قال في " العدة " : وهو المذهب . ويشبه أن يتوسط فيرجح في المعين : الجواز ، وفي المرسل : المنع ، سواء عينه عنه ثم ذبح ، أو ذبح بلا تعيين ؛ لأنه عن دين في الذمة ، فأشبه الجبرانات . وإلى هذا ذهب صاحب " الحاوي " ، وهو مقتضى سياق الشيخ أبي علي . وحيث منعنا الأكل في المنذور فأكل ، ففيما يغرمه الأوجه الثلاثة السابقة في الجبرانات . وحيث جوزنا ، ففي قدر ما يأكله القولان في أضحية التطوع . هكذا قاله في " التهذيب " . ولك أن تقول ذاك الخلاف في قدر المستحب أكله ، ولا يبعد أن يقال : لا يستحب الأكل ، وأقل ما في تركه : الخروج من الخلاف .