الحكم الثالث : قضاء الصلاة لعذر ضربان : عام ، ونادر .
فالعام : لا قضاء معه ، كصلاة مسافر محدث ، أو جنب بالتيمم - لعدم ما يجب استعماله إذا لم يكن سفر معصية . وفي سفر المعصية أوجه . الأصح : يجب التيمم والقضاء . والثاني : يتيمم ولا يقضي . والثالث : لا يجوز التيمم .
وقصير السفر كطويله على المذهب . وقيل : في وجوب القضاء معه قولان - وكصلاة المريض بالتيمم ، أو قاعدا ، أو مضطجعا ، والصلاة بالإيماء في شدة الخوف .
وأما النادر : فقسمان . قسم يدوم غالبا ، وقسم لا يدوم . فما يدوم يمنع القضاء ، كالاستحاضة ، وسلس البول ، والمذي ، والجرح السائل ، واسترخاء المقعد ، ودوام خروج الحدث ، سواء كان له بدل ، أم لا .
وما لا يدوم نوعان . نوع معه بدل ، ونوع لا بدل معه ، فما لا بدل معه يوجب القضاء ، وذلك صور .
منها : من لم يجد ماء ، ولا ترابا . وفيه أقوال . المشهور : وجوب الصلاة بحسب حاله ، ووجوب القضاء . والثاني : تحرم الصلاة . والثالث : تستحب ، ويجب القضاء على هذين . والرابع : تجب الصلاة بلا قضاء ، وإذا قلنا : يصلي ، لا يجوز مس المصحف ، ولا قراءة القرآن للجنب والحائض ، ولا وطء الحائض ، وإذا قدر على ماء أو تراب في الصلاة ، بطلت .
ومنها : المربوط على خشبة ، ومن شد وثاقه بالأرض ، يصلي بالإيماء ويعيد . وقال الصيدلاني . إن صلى مستقبلا القبلة ، لم يعد ، وإلا عاد . قال : وكذا الغريق يصلي على خشبة بالإيماء . وذكر البغوي نحوه .
ومنها : من على جرحه نجاسة يخاف التلف من غسلها ، أو حبس في [ ص: 122 ] موضع وصلى فيه على النجاسة للضرورة ، فتجب الإعادة على المشهور . وفي القديم : لا يجب إعادة صلاة وجبت في الوقت ، وإن كانت مختلة .
وأما ما معه بدل فصور :
منها : ، فيجب عليه الإعادة على المشهور ، لإن فقد الماء في الإقامة نادر ، وإنما لا يجب القضاء على المسافر ، لإن فقد الماء فيه يعم . هذا هو الضابط عند الأصحاب ، وليس مخصوصا بالسفر ، أو الإقامة ، حتى لو أقام في مفازة ، أو موضع يعدم فيه الماء غالبا ، وطالت إقامته وصلاته بالتيمم ، فلا إعادة . ولو دخل المسافر في طريقه قرية ، وعدم الماء وصلى بالتيمم ، وجبت الإعادة على الأصح ، وإن كان حكم السفر باقيا . وأما قول الأصحاب : المقيم يقضي ، والمسافر لا يقضي ، فمرادهم : الغالب من حال المسافر والمقيم ، وحقيقته ما ذكرناه . المقيم إذا تيمم لعدم الماء
ومنها : التيمم لعذر في بعض الأعضاء ، فإن لم يكن على العضو ساتر من جبيرة ، أو لصوق ، فلا إعادة . وإن كان ساتر من جبيرة ونحوها ، فثلاثة أقوال .
الأظهر : أنه إن وضعها على طهر ، فلا إعادة ، وإلا وجبت . والثاني : لا يعيد مطلقا . والثالث : يعيد .
وقال ابن الوكيل من أصحابنا : الخلاف إذا لم يتيمم . أما إذا قلنا : يجب التيمم ، فتيمم ، فلا إعادة قطعا . والمذهب طرد الخلاف مطلقا . هذا كله إذا لم تكن الجبيرة على محل التيمم ، فإن كانت عليه ، أعاد بلا خلاف . ومنها : التيمم لشدة البرد ، والأظهر : أنه يوجب الإعادة . والثاني : لا . والثالث : يجب على الحاضر دون المسافر .
أما ، ففيه قولان ووجه . وقيل : ثلاثة أوجه . أصحها : يصلي قائما ويتم الركوع والسجود ، والثاني : يصلي قاعدا . وهل يتم الركوع والسجود أم يومئ ؟ فيه قولان : والثالث : يتخير بين الأمرين . ويجري هذا الخلاف فيما لو حبس في موضع نجس ، لو سجد لسجد على نجاسة . وفيما لو [ ص: 123 ] وجد ثوبا طاهرا لو فرشه على النجاسة ، لبقي عاريا . وفيما لو وجد العاري ثوبا نجسا ، هل يصلي فيه ، أم عاريا ؟ ثم إن قلنا : العريان لا يتم الأركان ، أعاد على المذهب ، وفيه خلاف من لم يجد ماء ولا ترابا . وإن قلنا : يتمها ، فلا إعادة على المذهب . سواء كان في السفر أو الحضر ممن يعتاد العري ، أو ممن لا يعتاد العري . وقيل : يجب على من لا يعتاد العري . العاجز عن ستر العورة
قلت : ولو لم يجد المريض من يحوله للقبلة ، لزمه الصلاة بحسب حاله ، وتجب الإعادة على المذهب . قال الروياني : وقيل : قولان . وهو شاذ . قال إمام الحرمين وغيره : ثم ما حكمنا من الأعذار : بأنه دائم ، وأسقطنا به الفرض فزال بسرعة ، فهو كدائم ، وما حكمنا أنه لا يدوم فدام ، فله حكم ما لم يدم إلحاقا لشاذ الجنس بالجنس . ثم كل صلاة أوجبناها في الوقت ، وأوجبنا إعادتها ، فهل الفرض الأولى ، أم الثانية ، أم كلاهما ، أم إحداهما لا بعينها ؟ فيه أربعة أقوال . أظهرها : عند الجمهور : الثانية . وعند القفال والفوراني وابن الصباغ : كلاهما ، وهو أفقه ، فإنه مكلف بهما - وهذه مسائل منثورة لا يستحب ( فيها ) تجديد التيمم على المذهب - وبه قطع الجمهور . وفي المستظهري : وجهان . ويتصور في مريض وجريح ونحوهما ممن تيمم مع وجود الماء ، إذا تيمم وصلى فرضا ثم أراد نفلا ، ويتصور في متيمم لعدم الماء إذا صلى فرضا ولم يفارق موضعه ، ولم نوجب طلبا لتحققه العدم أو لم نوجبه ثانيا . وحكم اليد المقطوعة كهو في الوضوء ، حتى إذا لم يبق شيء من محل الفرض ، استحب مسح العضد . قال الدارمي : وإذا لم يكن مرفق ، استطهر حتى يعلم . ولو وجد المسافر على الطريق خابية ماء مسبلة ، تيمم ، ولا يجوز الوضوء منها ، لأنها إنما توضع للشرب . ذكره المتولي ، ونقله الروياني عن الأصحاب . ولو منع من الوضوء إلا منكوسا ، فهل له الاقتصار على التيمم ، أم عليه غسل الوجه لتمكنه منه ؟ فيه القولان فيمن وجد بعض ما يكفيه ، حكاه الروياني عن والده . [ ص: 124 ] قال : ولا يلزمه قضاء الصلاة إذا امتثل المأمور على القولين . وفي القضاء نظر ، لندوره ، لكن الراجح ما ذكره ، لأنه في معنى من غصب ماؤه ولا قضاء . قال صاحب ( الحاوي ) و ( البحر ) : لو مات رجل معه ماء لنفسه لا يكفيه لبدنه ، فإن أوجبنا استعمال الناقص ، لزم رفقته غسله به ، وإلا يمموه . فإن غسلوه به ، ضمنوا قيمته لوارثه . ولو تيمم لمرض فبرأ في أثناء الصلاة ، فكرؤية الماء في صلاة المسافر . ولو تيمم عن جنابة أو حيض ، ثم أحدث ، حرم ما يحرم على محدث . ولا يحرم قراءة القرآن ، واللبث في المسجد . ولو تيمم جنب فرأى ماء ، حرمت القراءة ، وكل ما كان حراما ، حتى يغتسل . قال الجرجاني : ليس أحد يصح إحرامه بصلاة فرض دون نفل ، إلا من عدم ماء وترابا ، أو سترة طاهرة ، أو كان على بدنه نجاسة عجز عن إزالتها . والله أعلم .