الباب الثالث في حكم المرهون بعد القبض
فيه ثلاثة أطراف .
الأول : في جانب الراهن ، وهو ممنوع من كل تصرف يزيل الملك وينقل العين ، كالبيع والهبة ونحوهما . ومما يزحم المرتهن في مقصود الرهن ، وهو الرهن عند غيره ، ومن كل تصرف ينقص المرهون ، أو يقلل الرغبة فيه ، كالتزويج .
قلت : فلو خالف فزوج العبد أو الأمة المرهونين ، فالنكاح باطل ، صرح به القاضي أبو الطيب ؛ لأنه ممنوع منه ، وقياسا على البيع . والله أعلم .
وأما الإجارة ، فإن كان الدين حالا أو مؤجلا يحل قبل انقضاء مدتها ، بطلت الإجارة على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وقيل : إن جوزنا بيع المستأجر ، صحت ، وإلا فلا ، وقال في " التتمة " : تبطل في قدر الأجل . وفي الزائد قولا تفريق [ ص: 75 ] الصفة . ولم يفصل الجمهور ، بل أطلقوا القول بالبطلان . وإن كان الأجل يحل بعد انقضائها مدة الإجارة أو معها ، صحت قطعا . فإن حل قبل انقضائها بموت الراهن ، فوجهان . أحدهما : تنفسخ الإجارة رعاية لحق المرتهن ؛ لأنه أسبق ، ويضارب المستأجر بالأجرة المدفوعة مع الغرماء . والثاني وهو اختيار ابن القطان : أن المرتهن يصبر إلى انقضاء مدة الإجارة ، كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدة لتستوفي المعتدة حق السكنى جمعا بين الحقين . وعلى هذا ، يضارب المرتهن بدينه في الحال . فإذا انقضت المدة وبيع المرهون ، قضي باقي دينه . فإن فضل شيء ، فللغرماء . هذا كله إذا . فلو أجره ، جاز ولا يبطل الرهن ، وكذا لو كان مستأجره فرهنه عنده ، جاز . فلو كانت الإجارة قبل تسليم الرهن ، ثم سلمه عنهما جميعا ، جاز . ولو سلم عن الرهن ، وقع عنهما جميعا ؛ لأن القبض في الإجارة مستحق . ولو سلم عن الإجارة ، لو يحصل قبض الرهن . وما قدمناه من منع الراهن أجر لغير المرتهن
[ من ] البيع وسائر التصرفات . والحكم بإبطالها ، هو الجديد المشهور . وعلى القديم المجوز وقف العقود : تكون هذه التصرفات موقوفة على الفكاك وعدمه ، ومال الإمام إلى تخريجها على الخلاف في بيع المفلس ماله ، وسيأتي إن شاء الله تعالى .
فرع
إذا ، ففي تنفيذه ثلاثة أقوال . أظهرها : الثالث ، وهو إن كان موسرا ، نفذ ، وإلا ، فلا ، فإن قلنا : لا ينفذ ، فالرهن بحاله ، فلو انفك بإبداء أو غيره ، فقولان ، أو وجهان ، أصحهما : لا ينفذ ؛ لأنه أعتق وهو لا يملك إعتاقه ، فأشبه ما لو أعتق المحجور عليه بسفه ، ثم زال حجره . وقطع جماعة بالنفوذ . وإن بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق على المذهب . وقيل : على الخلاف . أعتق الراهن المرهون
[ ص: 76 ] وإن قلنا : ينفذ مطلقا ، لزم الراهن قيمته يوم الإعتاق ، فإن كان موسرا ، أخذت في الحال ، وجعلت رهنا مكانه ، وإلا ، أمهل إلى اليسار ، فإذا أيسر ، أخذت وجعلت رهنا إن لم يحل الدين ، وإن حل ، طولب به ، ولا معنى للرهن ، كذا قاله العراقيون . ولك أن تقول : كما أن ابتداء الرهن قد يكون بالحال ، وقد يكون بالمؤجل ، فكذا قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهنا ، وإن حل إلى تيسر الاستيفاء . قال الإمام : ومهما بذل القيمة على قصد الغرم ، صارت رهنا ولا حاجة إلى عقد مستأنف ، والاعتبار بقصد المؤدي . ومتى كان موسرا ، وقلنا : ينفذ مطلقا ، أو من الموسر ، ففي وقت نفوذه طريقان . أحدهما : على الأقوال في وقت نفوذ عتق نصيب شريكه . ففي قول : يتعجل . وفي قول : يتأخر إلى دفع القيمة . وفي قول : يتوقف . فإذا غرم ، أسندنا العتق تبينا . والطريق الثاني ، وهو المذهب : القطع بنفوذه في الحال . والفرق : أن العتق هناك إلى ملك غيره ، فلا يزول إلا بقبضه قيمته ، وهنا يصادف ملكه .
قلت : قوله : إذا كان موسرا ، ففيه طريقان ، إشارة إلى أن المعسر إذا نفذنا عتقه ، يعتق في الحال بلا خلاف ، وبهذا صرح ، وصاحب الشامل وغيرهما . والله أعلم . الشيخ أبو حامد
فرع
لو ، نفذ عند الفكاك ، إذ لا ضرر على المرتهن . وإن علق بصفة أخرى ، فإن وجدت قبل فكاك الرهن ، ففيه أقوال التنجيز . وإن وجدت بعده ، نفذ على الأصح . علق عتقه بفكاك الرهن
فرع
لو ، فإن أضاف العتق إلى النصف المرهون ، [ ص: 77 ] ففيه الأقوال . وإن أضافه إلى النصف الآخر ، أو أطلق ، عتق ما ليس بمرهون ، ويسري إلى المرهون إن نفذنا إعتاقه ، وكذا إن لم ننفذه على الأصح ; لأنه يسري إلى ملك غيره ، فملكه أولى . وعلى هذا ، يفرق بين الموسر والمعسر على الأصح ، حكاه الإمام عن المحققين ، وجزم في " التتمة " بأن لا فرق لأنه ملكه . رهن نصف العبد ثم أعتق نصفه
قلت : إذا ، أجزأه إن قلنا : ينفذ إعتاقه . وإن أعتقه عن كفارة غيره ، فلا يعتق ؛ لأنه بيع ، قاله أعتق المرهون عن كفارته القاضي حسين في " الفتاوى " . والله أعلم .
فرع
، باطل على المذهب . وقيل : على الأقوال . وقال في " التتمة " إن قلنا : لا يحتاج إلى القبول ، فكالعتق ، وإلا فباطل . وقف المرهون