الأمر الثاني : القبض . فإذا ، فإن كان في وقت النزاع في يد الراهن ، فالقول قوله مع يمينه . وإن كان في يد المرتهن وقال : [ ص: 117 ] قبضته عن الرهن ، وأنكر الراهن ، فقال : بل غصبتنيه ، فالقول قول الراهن على الصحيح . وقيل : قول المرتهن ، وهو شاذ ضعيف . وإن قال الراهن : بل قبضته عن جهة أخرى مأذون فيها ، بأن قال : أودعتكه ، أو أعرت ، أو أكريت ، أو أكريته لفلان فأكراكه ، فهل القول قول المرتهن ، لاتفاقهما على قبض مأذون فيه ، أو قول الراهن ; لأن الأصل عدم ما ادعاه ؟ وجهان . أصحهما : الثاني ، وهو المنصوص . ويجري مثل هذا التفصيل ، فيما إذا اختلف البائع والمشتري ، حيث كان للبائع حق الحبس ، وصادفنا المبيع في يد المشتري ، فادعى البائع أنه أعاره ، أو أودعه ، لكن الأصح هنا حصول القبض ، لقوة يده بالملك . وهذا تفريع على أنه لا يبطل حق الحبس بالإعارة والإيداع ، وفيه خلاف سبق . ولو صدقه الراهن في إذنه في القبض على جهة الرهن ، ولكن قال : رجعت قبل قبضك ، فالقول قول المرتهن في عدم الرجوع ; لأن الأصل عدمه . ولو قال الراهن : لم يقبضه بعد ، وقال المرتهن : قبضته ، فمن كان المرهون في يده منهما ، فالقول قوله باتفاق الأصحاب ، وعليه حملوا النصين المختلفين في " الأم " . تنازعا في قبض المرهون
فرع
، مقبول ملزم ، لكن بشرط الإمكان . حتى لو قال : رهنته اليوم داري إقرار الراهن بإقباض المرهون بالشام ، وأقبضته إياها وهما بمكة ، فهو لاغ . ولو قامت البينة على إقراره بالإقباض في موضع الإمكان ، فقال : لم يكن إقراري عن حقيقة ، فحلفوه أنه قبض ، نظر ، إن ذكر لإقراره تأويلا ، بأن قال : كنت أقبضته بالقول ، وظننت أنه يكفي قبضا ، أو وقع إلي كتاب على لسان وكيلي بأنه أقبض وكان مزورا ، أو قال : أشهدت على رسم القبالة قبل حقيقة القبض ، فله تحليفه . وإن لم يذكر تأويلا ، فوجهان . أصحهما عند العراقيين : يحلفه ، وبه قال : [ ص: 118 ] وغيره ، وهو ظاهر النص . وأصحهما عند المراوزة : لا ، وبه قال ابن خيران أبو إسحاق .
قلت : طريقة العراقيين أفقه وأصح . والله أعلم .
وقد حكى في " الوسيط " وجها : أنه لا يحلفه مطلقا وإن ذكر تأويلا . وهذا الوجه غريب ضعيف مخالف لما قطع به الأصحاب . ولو لم يقم بينة على إقراره ، بل أقر في مجلس القضاء بعد توجه الدعوى عليه ، فوجهان . قال القفال : لا يحلفه وإن ذكر تأويلا ; لأنه لا يكاد يقر عند القاضي إلا عن تحقيق . وقال غيره : لا فرق ، لشمول الإمكان . ولو شهد الشهود على نفس القبض ، فليس له التحليف بحال ، وكذا لو شهدوا على إقراره ، فقال : ما أقررت ; لأنه تكذيب للشهود .
فرع
لو ، فلا خيار لك في البيع ، وأقام على إقراره بالقبض حجة ، فأراد المرتهن تحليفه ، فهو كما ذكرنا في إقرار الرهن وطلب الراهن يمين المرتهن . ويقاس على هذا ، ما إذا قامت بينة بإقراره لزيد بألف ، فقال : إنما أقررت وأشهدت ليقرضني ، ثم لم يقرضني ، وكذا سائر نظائرها . كان الرهن مشروطا في بيع ، فقال المشتري : أقبضت ، ثم تلف الرهن