الأمر الثالث : ، وهي ضربان . الجناية
الأول : ، فإن صدقه المتراهنان أو كذباه لم يخف حكمه . وإن صدقه الراهن فقط ، أخذ الأرش وفاز به ، فليس للمرتهن التوثق به . وإن صدقه المرتهن فقط ، أخذ الأرش وكان مرهونا . جني على العبد المرهون ، فأقر رجل أنه الجاني
[ ص: 119 ] فإن قضى الدين من غيره ، أو أبرأه المرتهن ، فالأصح : أنه يرد الأرش إلى المقر . والثاني : يجعل في بيت المال ; لأنه مال ضائع لا يدعيه أحد .
الضرب الثاني : ، يقع تارة بعد لزوم الرهن ، وتارة قبله . جناية المرهون ، والنزاع في جنايته
الحال الأول : بعده ، فإذا أقر المرتهن بأنه جنى ، ووافقه العبد أم لا ، فالقول قول الراهن مع يمينه . وإذا بيع في دين المرتهن لم يلزمه تسليم الثمن إليه بإقراره السابق . ولو ، فالقول قوله . وإذا بيع في الدين ، فلا شيء للمقر له على الراهن . وحكى أقر الراهن بجنايته ، وأنكر المرتهن وجها : أنه يقبل إقرار الراهن ، ويباع العبد في الجناية ، ويغرم الراهن للمرتهن . ابن كج
الحال الثاني : ، فإن لم يعين المجني عليه ، أو عينه فلم يصدقه ، أو لم يدع ذلك ، فالرهن مستمر بحاله . وإن عينه وادعاه المجني عليه ، نظر ، إن صدقه المرتهن ، بيع في الجناية ، والمرتهن بالخيار إن كان الرهن مشروطا في بيع . وإن كذبه ، فقولان . أظهرهما : لا يقبل قول الراهن ، صيانة لحق المرتهن . تنازعا في جنايته قبل لزوم الرهن ، فأقر الراهن بأنه كان أتلف مالا ، أو جنى جناية توجب المال
والثاني : يقبل ; لأنه مالك . ويجري القولان فيما لو قال : كنت غصبته ، أو اشتريته شراء فاسدا ، أو بعته ، أو وهبته وأقبضته وأعتقته . ولا حاجة في صورة العتق إلى تصديق العبد ودعواه ، بخلاف المقر له في باقي الصور . وفي الإقرار بالعتق قول ثالث : أنه إن كان موسرا ، نفذ ، وإلا ، فلا ، كالإعتاق . ونقل الإمام هذا القول في جميع هذه الصور . فإن قلنا : لا يقبل إقرار الراهن ، فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه ، ويحلف على نفي العلم بالجناية . وإذا حلف واستمر الرهن ، فهل يغرم الراهن للمجني عليه ؟ قولان . قال الأئمة أظهرهما : يغرم كما لو قبله ; لأنه حال بينه وبين حقه ، وهما كالقولين فيمن أقر بالدار لزيد ، ثم لعمرو ، [ ص: 120 ] هل يغرم لعمرو ؟ ويعبر عنهما بقولي الغرم للحيلولة ; لأنه بإقراره الأول حال بين من أقر له ثانيا وبين حقه .
فإن قلنا : يغرم ، طولب في الحال إن كان موسرا . وإن كان معسرا فإذا أيسر . وفيما يغرم للمجني عليه ؟ طريقان . أحدهما : على قولين . أظهرهما : الأقل من قيمته وأرش الجناية . وثانيهما : الأرش بالغا ما بلغ . والطريق الثاني وهو المذهب وبه قال الأكثرون : يغرم الأقل قطعا ، كأم الولد ، لامتناع البيع بخلاف القن . وإذا قلنا : لا يغرم الراهن ، فإن بيع في الدين ، فلا شيء عليه . لكن لو ملكه ، لزمه تسليمه في الجناية ، وكذا لو انفك رهنه . هذا كله إذا حلف المرتهن ، فإن نكل ، فعلى من ترد اليمين ؟ قولان . ويقال : وجهان . أحدهما : على الراهن ; لأنه مالك العبد ، والخصومة تجري بينه وبين المرتهن . وأظهرهما : على المجني عليه ; لأن الحق له ، والراهن لا يدعي لنفسه شيئا . فإذا حلف المردود عليه منهما ، بيع العبد في الجناية ، ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه ; لأن فواته حصل بنكوله . ثم إن كان يستغرق الواجب قيمته ، بيع كله ، وإلا فبقدر الأرش . وهل يكون الباقي رهنا ؟ وجهان . أصحهما : لا ; لأن اليمين المردودة كالبينة ، كالإقرار بأنه كان جانيا في الابتداء ، فلا يصح رهن شيء منه . وإذا رددنا على الراهن ، فنكل ، فهل يرد على المجني عليه ؟ قولان . ويقال : وجهان . أحدهما : نعم لأن الحق له . وأصحهما : لا ; لأن اليمين لا ترد مرة بعد أخرى . فعلى هذا ، نكول الراهن كحلف المرتهن في تقرير الرهن . وهل يغرم الراهن للمجني عليه ؟ فيه القولان . وإن رددناه على المجني عليه فنكل ، قال الشيخ أبو محمد : تسقط دعواه ، وانتهت الخصومة .
وطرد العراقيون في الرد منه على الراهن الخلاف المذكور في عكسه . وإذا لم ترد ، لا يغرم له الراهن ، قولا واحدا ، وتحال الحيلولة على نكوله ، هذا تمام التفريع على أحد القولين في أصل المسألة ، وهو أن الراهن لا يقبل إقراره . فإن قبلناه ، فهل يحلف ، أم يقبل بلا يمين ؟ قولان ، أو وجهان . أحدهما : [ ص: 121 ] لا يحلف ; لأن اليمين للزجر ليرجع الكاذب . وهنا لا يقبل رجوعه . وأصحهما عند الشيخ أبي حامد ومن وافقه : يحلف لحق المرتهن ، ويحلف على البت . وسواء حلفناه ، أم لا ، فيباع العبد في الجناية كله أو بعضه على ما سبق ، وللمرتهن الخيار في فسخ البيع . وإن نكل ، حلف المرتهن ، لأنا إنما حلفنا الراهن لحقه . وفي فائدة حلفه قولان حكاهما الصيدلاني وغيره . أظهرهما : أن فائدته : تقدير الرهن في العبد على ما هو قياس الخصومات .
والثاني : فائدته : أن يغرم الراهن قيمته ، ليكون رهنا مكانه ، ويباع العبد في الجناية بإقرار الراهن . فإن قلنا بالأول ، فهل يغرم الراهن للمقر له لكونه حال بنكوله بينه وبين حقه ؟ فيه القولان السابقان . وإن قلنا بالثاني ، فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع ؟ وجهان . أصحهما : نعم ، لفوات العين المشروطة . والثاني : لا ، لحصول الوثيقة بالقيمة . وإن نكل المرتهن ، بيع العبد في الجناية ، ولا خيار له في فسخ البيع ، لا غرم على الراهن . وجميع ما ذكرناه مبني على أن رهن الجاني لا يصح ، فإن صححناه ، فقيل : يقبل إقراره قطعا ، فيغرم المجني عليه ، ويستمر الرهن . وقال آخرون : بطرد القولين . ووجه المنع : أنه يحل بلزوم الرهن ; لأن المجني عليه يبيع المرهون لو عجز عن تغريم الراهن .
فرع
لو لم يقبل إقراره على العبد ، فلو قال ، ثم عفا على مال ، فهو كما لو أقر بما يوجب المال . أقر السيد عليه بجناية توجب القصاص
فرع
لو أقر بالعتق وقلنا : لا يقبل ، فالمذهب والمنصوص : أنه يجعل كإنشاء الإعتاق . [ ص: 122 ] وفيه الأقوال ; لأن من ملك إنشاء أمر ، قبل إقراره به . ونقل الإمام في نفوذه وجهين ، مع قولنا : ينفذ الإنشاء .
فرع
جائز ، ولا يمنع من التصرف ، لاحتمال الحمل . فإذا رهن الجارية الموطوءة ، فإن كان الانفصال لدون ستة أشهر من الوطء ، أو لأكثر من أربع سنين ، فالرهن بحاله ، والولد مملوك له ; لأنه لا يلحق به . وإن كان لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين ، فقال الراهن : هذا الولد مني ، وكنت وطئتها قبل لزوم الرهن ، فإن صدقه المرتهن ، أو قامت بينة ، فهي أم ولد له ، والرهن باطل ، وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه رهنها . وإن كذبه ولا بينة ، ففي قبول إقراره لثبوت الاستيلاد ، قولان ، كإقراره بالعتق ونظائره ، والتفريع كما سبق . وعلى كل حال ، فالولد حر ثابت النسب عند الإمكان . ولو لم يصادف ولدا في الحال ، وزعم الراهن أنها ولدت منه قبل الرهن ، ففيه التفصيل السابق والخلاف ، وحيث قلنا : يحلف المجني عليه ، تحلف المستولدة ، فإنها في مرتبته ، وفي العتق يحلف العبد . رهن جارية ، فأتت بولد
قلت : ولو أقر بأنه استولدها بعد لزوم الرهن ، فإن لم ينفذ استيلاده لم يقبل إقراره ، وإلا ، ففيه الوجهان السابقان في إقراره بالعتق ، أصحهما : يقبل . والله أعلم .
فرع
لو ، أو باعه ، أو اشتراه شراء فاسدا لم يقبل قوله ; لأنه أقر في ملك الغير ، وهو مردود ظاهرا ، ويخالف إقرار الراهن ، [ ص: 123 ] فإنه في ملكه . وقيل بطرد الخلاف ، والمذهب : الأول . وعلى هذا ، فالقول قول المشتري . فإن نكل فهل الرد على المدعي ، أم على المقر البائع ؟ قولان ولو أجر عبدا ، ثم قال : كنت بعته ، أو أجرته ، أو أعتقته ، ففيه الخلاف المذكور في الرهن ، كبقاء الملك . ولو كاتبه ، ثم أقر بما لا يصح معه كتابة ، قال باع عبدا ، ثم أقر بأنه كان غصبه : فيه الخلاف . وقطع ابن كج بأنه لا يقبل ; لأن المكاتب كمن زال ملكه عنه . الشيخ أبو حامد