الضرب الثاني : : الصلح عن الدين ، وهو صنفان
أحدهما : وهو الجاري على عين الدين المدعى . فينظر ، إن صالح عن بعض أموال الربا على ما يوافقه في العلة ، فلا بد من قبض العوض في المجلس ، ولا يشترط تعيينه في نفس الصلح على الأصح . فإن لم يكن العوضان ربويين ، فإن كان العوض عينا صح الصلح ، ولا يشترط قبضه في المجلس على الأصح . وإن كان دينا صح على الأصح ، ولكن يشترط التعيين في المجلس ، ولا يشترط القبض بعد التعيين على الأصح . صلح المعاوضة
الصنف الثاني : الجاري على بعض الدين المدعى ، فهو إبراء عن بعض الدين ، فإن استعمال لفظ الإبراء أو ما في معناه ، بأن صلح الحطيطة وهو ، برئ مما أبرأه ، ولا يشترط القبول على الصحيح . وفي وجه بعيد : يشترط فيه ، وفي كل إبراء [ ص: 196 ] ولا يشترط قبض الباقي في المجلس . وإن اقتصر على قال : أبرأتك من خمسمائة من الألف الذي عليك ، أو صالحتك على الباقي فقال : صالحتك على الألف الذي لي عليك على خمسمائة ، فوجهان كنظيره في صلح الحطيطة في العين ، والأصح الصحة . وفي اشتراط القبول وجهان ، كالوجهين فيما لو قال لمن عليه الدين : وهبته لك . والأصح ، الاشتراط ؛ لأن اللفظ بوضعه يقتضيه . ولو صالح منه على خمسمائة معينة جرى الوجهان . ورأي الإمام الفساد هنا أظهر . لفظ الصلح ، كنظيره في الصلح عن العين . ولو صالح من ألف مؤجل على ألف حال أو عكسه فباطل ؛ لأن الأجل لا يسقط ولا يلحق . فلو عجل من عليه المؤجل وقبله المستحق ، سقط الأجل بالاستيفاء ، وكذا الحكم في الصحيح والمكسر . ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة حالة فباطل . ولو صالح من ألف حال على خمسمائة مؤجلة ، فهذا ليس من المعاوضة في شيء ، بل هو مسامحة من وجهين : أحدهما : حط خمسمائة . والثاني : إلحاق أجل بالباقي . والأول شائع ، فيبرأ عن خمسمائة . والثاني : وعد لا يلزم ، فله المطالبة بالباقي في الحال . ولا يصح هذا الصنف بلفظ البيع
فرع
، لم يصح ويبقى حقه كما كان . ولو قال صالحتك من نصيبي على هذا الثوب ، فإن كانت التركة أعيانا ، فهو صلح عن العين . وإن كانت ديونا عليه ، فهو صلح عن الدين . وإن كانت على غيره ، فهو بيع دين لغير من عليه ، وقد سبق حكمه . وإن كان فيها عين ودين على الغير ، ولم نجوز بيع الدين لغير من عليه بطل الصلح في الدين . وفي العين قولا تفريق الصفقة . قال أحد الوارثين لصاحبه : تركت حقي من التركة لك ، فقال قبلت
[ ص: 197 ] فرع
، لا يجوز . وكذا لو مات عن ابنين والتركة ألف درهم ومائة دينار ، وهي في يد أحدهما ، فصالحه الآخر من نصيبه على ألفي درهم ، لم يجز . ولو كان المبلغ المذكور دينا في ذمة غيره ، فصالحه منه على ألفي درهم جاز . والفرق أنه إذا كان في الذمة ، فلا ضرورة إلى تقدير المعاوضة فيه ، فيجعل مستوفيا لأحد الألفين ، ومعتاضا عن الدنانير الألف الآخر . وإذا كان معينا ، كان الصلح عنه اعتياضا ، فكأنه باع ألف درهم وخمسين دينارا بألفي درهم . وهو من صور مد عجوة . ونقل الإمام عن القاضي حسين وجها في صورة الدين بالمنع ، تنزيلا على المعاوضة . له في يد رجل ألف درهم ، وخمسون دينارا ، فصالحه منه على ألفي درهم
فرع
، فهو إعادة للدار يرجع فيها متى شاء . وإذا رجع ، لم يستحق أجرة للمدة الماضية على الصحيح ؛ لأنها عارية . وفي وجه : يستحق ؛ لأنه قابل به رفع اليد عنها ، وهو عوض فاسد ، فيرجع بأجرة المثل . ولو صالحه عنها على أن يسكنها بمنفعة عبده سنة ، فهو كما لو أجر دارا بمنفعة عبد سنة . صالحه عن الدار المدعاة على أن يسكنها سنة
فرع
، جاز . ودون هذا الشرط لا يجوز . ولو كانت المصالحة عن الزرع مع الأرض ، فلا حاجة إلى شرط القطع على الأصح . [ ص: 198 ] ولو كان النزاع في نصف الزرع ، ثم أقر المدعى عليه ، وتصالحا عنه على شيء ، لم يجز . وإن شرطا القطع ، كما لو باع نصف الزرع مشاعا لا يصح ، سواء شرط أم لا . صالحه عن الزرع الأخضر بشرط القطع