فصل في المزارعة تجوز المزارعة بجزء معلوم يجعل للعامل من الزرع فإن كان في الأرض شجر فزارعه على الأرض وساقاه على الشجر صح ، ولا يشترط كون البذر من رب الأرض ، وظاهر المذهب اشتراطه ، وإن شرط رب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسما الباقي ، أو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة أو دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة ، ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر وعليه أجرة صاحبه . فصل في المزارعة
هي مفاعلة من الزرع ، وهي دفع أرض وحب لمن يزرعه ، ويقوم عليه بجزء مشاع معلوم منه .
( ) هذا قول أكثر العلماء ، قال تجوز المزارعة بجزء ) مشاع ( يجعل للعامل من الزرع : قال البخاري أبو جعفر : ما بالمدينة أهل بيت إلا يزرعون على الثلث ، والربع ، وزارع علي ، وابن مسعود ، وسعد ، وعمر بن عبد العزيز ، والقاسم ، وعروة ، وآل أبي [ ص: 56 ] بكر ، وآل عمر ، وعامل وابن سيرين ، عمر على أنه إن جاء بالبذر فله الشطر ، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا ، وحكى أبو الخطاب في المساقاة رواية بمنعها ، وعن الأمران ، وحديث ابن عباس رافع وإن كان في الصحيحين ففيه اضطراب كثير ، قال ابن المنذر : وقد أنكره فقيهان من الصحابة زيد بن ثابت ، لا يقال : أحاديثكم محمولة على الأرض التي بين النخيل ، وأحاديث النهي على الأرض البيضاء ; لأنه بعيد من أوجه : أولا : أنه يبعد أن تكون بلدة كبيرة يأتي منها أربعون ألف وسق ، وليس فيها أرض بيضاء ، وتبعد معاملتهم بعضهم على بعض لنقل الرواة القصة على العموم ، ثانيا : لا دليل على ما ذكرتم من التأويل ، وما قلناه ورد مفسرا ، ثالثا : إن قولكم يفضي إلى تقييد كل من الحديثين ، وما ذكرناه فيه حمل أحدهما على الآخر ، رابعا : إن عمل الخلفاء والفقهاء من الصحابة وغيرهم دال على ما ذكرنا ، خامسا : إن مذهبنا صار مجمعا عليه فلا يجوز لأحد خلافه مع أن القياس يقتضيه ; لأن الأرض عين تنمي بالعمل ، فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها كالمال في المضاربة ، والنخل في المساقاة ، والحاجة داعية إليها لكون أصحاب الأرض لا يقدرون على زرعها ، والأكثر يحتاجون إلى الزرع ولا أرض ، فاقتضت الحكمة جوازها ، قال وابن عباس ، الشيخ تقي الدين : هي أحل من الإجارة لاشتراكهما في المغنم والمغرم ( ) لأن كل واحد منهما عقد لو انفرد لصح ، فكذا إذا اجتمعا ، وسواء قل بياض الأرض أو كثر ، نص عليه ، وسواء تساوى نصيب العامل فيهما أو اختلف ، وسواء كان بلفظ المعاملة أو المساقاة [ ص: 57 ] فلو زارعه على أرض فيها شجر لم يجز للعامل اشتراط ثمرتها ; لأنه اشترط كل الثمرة ، فلم يجز كما لو كان الشجر أكثر من الثلث . فإن كان في الأرض شجر فزارعه على الأرض وساقاه على الشجر صح
فرع : لا تجوز قال إجارة أرض وشجر فيها ، أحمد : أخاف أنه استأجر شجرا لم يثمر ، وذكر أبو عبيد تحريمه إجماعا ، وجوزه ابن عقيل تبعا ولو كان الشجر أكثر ; لأن عمر ضمن حديقة لما مات ثلاث سنين لوفاء دينه ، رواه أسيد بن حضير حرب وغيره ، ولأنه وضع الخراج على أرض الخراج وهو أجرة ، وجوز الشيخ تقي الدين ويقوم عليها المستأجر كأرض لزرع ، فإن تلفت الثمرة فلا أجرة ، وإن نقصت عن العادة فالفسخ أو الأرش لعدم المنفعة المقصودة بالعقد ، وهو كجائحة ( إجارة الشجر مفردا ، ) فيجوز أن يخرجه العامل في قول ولا يشترط كون البذر من رب الأرض عمر وغيرهما ، ونص عليه في رواية وابن مسعود وصححه في " المغني " ، و " الشرح " واختاره مهنا ، أبو محمد الجوزي ، والشيخ تقي الدين ; لأن الأصل المعول عليه في المزارعة قضية خيبر ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين ( وظاهر المذهب اشتراطه ) نص عليه في رواية جماعة ، واختاره عامة الأصحاب لأنهما يشتركان في نمائه ، فوجب أن يكون رأس المال من أحدهما كالمضاربة ، ورد بأنه قياس في مقابلة نص ، ثم هو منقوض بما إذا اشترك مالان وبدن أحدهما .
تنبيه : ، فإن حكم بصحتها لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء ، وإن حكمنا بفسادها فعلى العامل نصف أجر الأرض ، وله على ربها [ ص: 58 ] نصف أجر عمله ، فيتقاصان بقدر الأقل منهما ، ويرجع أحدهما على الآخر بالفضل ، وإن شرطا التفاضل في الزرع فطاهر على الصحة ، وعلى الفساد الزرع بينهما على قدر البذر ، ويتراجعان كما ذكرنا . إذا كان البذر بينهما نصفين ، وشرطا المناصفة في الزرع فهو بينهما سواء قيل بصحة المزارعة ، أو فسادها
( وإن ) لم يصح كأنه اشترط لنفسه قفزانا معلومة ، وهو شرط فاسد تفسد به المزارعة ; لأن الأرض لم تخرج إلا ذلك القدر فيختص به المالك ، وربما لا تخرجه ، وموضوعها على الاشتراك ( أو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة ) لما ذكرنا ( أو دراهم معلومة ) لأنه ربما لا تخرج الأرض ما يساوي ذلك ، فيؤدي إلى الضرر ( أو أو زرع ناحية معينة من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة ) بإجماع العلماء كأن يشترط ما على الجداول ، قيل : وهي المخابرة سواء كان منفردا ، أو شرطه مع نصيبه ; لأن الخبر الصحيح في النهي عنه غير معارض ولا منسوخ ، ولأنه ربما تلف ما عين له دون الآخر ، فينفرد أحدهما بالغلة دون صاحبه ( شرط رب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسما الباقي ) لأنه عين ماله ينقلب من حال إلى حال ، وينمو فهو كأغصان الشجر إذا غرس ( وعليه أجرة صاحبه ) لأنه دخل على أن يأخذ ما سمي له ، فإذا فات رجع إلى بدله لكونه لم يرض بالعمل مجانا ، فعلى المذهب إن كان البذر من العامل فهو له ، وعليه أجرة مثل الأرض لربها وهي المخابرة ، وإن كان البذر من رب الأرض فهو له ، وعليه أجرة مثل العامل ، وإن كان منهما فالزرع بينهما ، ويتراجعان بالفاضل . ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر
فرع : يشترط معرفة جنس البذور ولو تعدد وقدره ، فلو دفعه إلى [ ص: 59 ] صاحب أرض ليزرعه فيها وما يخرج يكون بينهما فهو فاسد ; لأن البذر ليس من رب الأرض ، ولا من العامل ، فالزرع لمالك البذر ، وعليه أجرة الأرض ، والعمل ، وقيل : يصح ، مأخوذ من مسألة الاشتراك .