[ ص: 14 ] [ ص: 15 ] القسم الأول
مقاصد الشارع
[ ص: 16 ] [ ص: 17 ] النوع الأول
في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة وفيه مسائل :
المسألة الأولى
تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق ، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تكون . ضرورية
والثاني : أن تكون . حاجية
والثالث : أن تكون . تحسينية
فأما ، [ ص: 18 ] بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة ، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم ، والرجوع بالخسران المبين . الضرورية; فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا
والحفظ لها يكون بأمرين :
أحدهما : ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها ، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود .
والثاني : ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها ، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم .
فأصول العبادات راجعة إلى من جانب الوجود; كالإيمان ، [ ص: 19 ] والنطق بالشهادتين ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، وما أشبه ذلك . حفظ الدين
والعادات راجعة إلى حفظ النفس من جانب الوجود أيضا; كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات ، وما أشبه ذلك . والعقل
والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل من جانب الوجود ، وإلى حفظ النفس والعقل أيضا ، لكن بواسطة العادات . والمال
والجنايات - ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ترجع إلى [ ص: 20 ] حفظ الجميع من جانب العدم .
والعبادات والعادات قد مثلت ، والمعاملات ما كان راجعا إلى مصلحة الإنسان مع غيره; كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض بالعقد على الرقاب أو المنافع أو الأبضاع ، والجنايات ما كان عائدا على ما تقدم بالإبطال ، فشرع فيها ما يدرأ ذلك الإبطال ، ويتلافى تلك المصالح; كالقصاص ، والديات للنفس ، والحد للعقل ، وتضمين قيم الأموال للنسل ، والقطع والتضمين للمال ، وما أشبه ذلك .
ومجموع الضروريات خمسة ، وهي : حفظ الدين ، والنفس ، والنسل ، والمال ، والعقل ، وقد قالوا : إنها مراعاة في كل ملة .
[ ص: 21 ] وأما ، فإذا لم تراع دخل على المكلفين - على الجملة - الحرج والمشقة ، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة . الحاجيات; فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب
وهي جارية في العبادات ، والعادات ، والمعاملات ، والجنايات :
ففي العبادات كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض [ ص: 22 ] والسفر ، وفي العادات كإباحة الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال ، مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ، وما أشبه ذلك .
وفي المعاملات; كالقراض ، والمساقاة ، والسلم ، وإلقاء التوابع في العقد على المتبوعات ، كثمرة الشجر ، ومال العبد .
وفي الجنايات; كالحكم باللوث ، والتدمية ، والقسامة ، وضرب الدية على العاقلة ، وتضمين الصناع ، وما أشبه ذلك .
وأما ، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق . التحسينات; فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات ، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات
وهي جارية فيما جرت فيه الأوليان :
ففي العبادات; كإزالة النجاسة - وبالجملة الطهارات كلها - ، وستر العورة ، وأخذ الزينة ، والتقرب بنوافل الخيرات من الصدقات والقربات ، وأشباه ذلك .
[ ص: 23 ] وفي العادات; كآداب الأكل والشرب ، ومجانبة المآكل النجسات والمشارب المستخبثات ، والإسراف والإقتار في المتناولات .
وفي المعاملات; كالمنع من بيع النجاسات ، وفضل الماء والكلأ ، وسلب العبد منصب الشهادة والإمامة ، وسلب المرأة منصب الإمامة ، وإنكاح نفسها ، وطلب العتق وتوابعه من الكتابة والتدبير ، وما أشبهها .
وفي الجنايات; كمنع قتل الحر بالعبد ، أو قتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد .
وقليل الأمثلة يدل على ما سواها مما هو في معناها فهذه الأمور راجعة إلى محاسن زائدة على أصل المصالح الضرورية والحاجية ، إذ ليس فقدانها بمخل بأمر ضروري ولا حاجي ، وإنما جرت مجرى التحسين والتزيين .