[ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتاب المقاصد
والمقاصد التي ينظر فيها قسمان :
أحدهما
nindex.php?page=treesubj&link=21860يرجع إلى قصد الشارع .
[ ص: 8 ] والآخر
nindex.php?page=treesubj&link=21860يرجع إلى قصد المكلف .
فالأول يعتبر من جهة قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء ، ومن جهة قصده في وضعها للأفهام ، ومن جهة قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها ، ومن جهة قصده في دخول المكلف تحت حكمها; فهذه أربعة أنواع .
ولنقدم قبل الشروع في المطلوب .
[ ص: 9 ] مقدمة كلامية مسلمة في هذا الموضع :
وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=21858وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا ، وهذه دعوى لا بد من إقامة البرهان عليها صحة أو فسادا ، وليس هذا موضع ذلك ، وقد وقع الخلاف فيها في علم الكلام ، وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي : أن
[ ص: 10 ] [ ص: 11 ] nindex.php?page=treesubj&link=21763أحكام الله ليست معللة بعلة ألبتة ، كما أن أفعاله كذلك ، وأن
المعتزلة اتفقت على أن أحكامه تعالى معللة برعاية مصالح العباد ، وأنه اختيار أكثر الفقهاء المتأخرين ، ولما اضطر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية; أثبت ذلك على أن العلل بمعنى العلامات المعرفة للأحكام خاصة ،
[ ص: 12 ] ولا حاجة إلى تحقيق الأمر في هذه المسألة .
والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه
الرازي ولا غيره ، فإن الله تعالى يقول في بعثه الرسل وهو الأصل :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ النساء : 165 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ الأنبياء : 107 ] .
وقال في أصل الخلقة :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ هود : 7 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ الذاريات : 56 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ الملك : 2 ] .
وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة; فأكثر من أن تحصى كقوله بعد آية الوضوء :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [ المائدة : 6 ] .
وقال في الصيام :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [ البقرة : 183 ] .
وفي الصلاة :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [ العنكبوت : 45 ] .
[ ص: 13 ] وقال في القبلة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة [ البقرة : 150 ] .
وفي الجهاد :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا [ الحج : 39 ] .
وفي القصاص :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب [ البقرة : 179 ] .
وفي التقرير على التوحيد :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين [ الأعراف : 172 ] ، والمقصود التنبيه .
وإذا دل الاستقراء على هذا وكان في مثل هذه القضية مفيدا للعلم فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة ، ومن هذه الجملة ثبت القياس والاجتهاد; فلنجر على مقتضاه - ويبقى البحث في كون ذلك واجبا أو غير واجب موكولا إلى علمه - ; فنقول والله المستعان :
[ ص: 7 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
كِتَابُ الْمَقَاصِدِ
وَالْمَقَاصِدُ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا قِسْمَانِ :
أَحَدُهُمَا
nindex.php?page=treesubj&link=21860يَرْجِعُ إِلَى قَصْدِ الشَّارِعِ .
[ ص: 8 ] وَالْآخَرُ
nindex.php?page=treesubj&link=21860يَرْجِعُ إِلَى قَصْدِ الْمُكَلَّفِ .
فَالْأَوَّلُ يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ قَصْدِ الشَّارِعِ فِي وَضْعِ الشَّرِيعَةِ ابْتِدَاءً ، وَمِنْ جِهَةِ قَصْدِهِ فِي وَضْعِهَا لِلْأَفْهَامِ ، وَمِنْ جِهَةِ قَصْدِهِ فِي وَضْعِهَا لِلتَّكْلِيفِ بِمُقْتَضَاهَا ، وَمِنْ جِهَةِ قَصْدِهِ فِي دُخُولِ الْمُكَلَّفِ تَحْتَ حُكْمِهَا; فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ .
وَلْنُقَدِّمْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَطْلُوبِ .
[ ص: 9 ] مُقَدِّمَةٌ كَلَامِيَّةٌ مُسَلَّمَةٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ :
وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21858وَضْعَ الشَّرَائِعِ إِنَّمَا هُوَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ مَعًا ، وَهَذِهِ دَعْوَى لَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهَا صِحَّةً أَوْ فَسَادًا ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ ، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ ، وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ : أَنَّ
[ ص: 10 ] [ ص: 11 ] nindex.php?page=treesubj&link=21763أَحْكَامَ اللَّهِ لَيْسَتْ مُعَلَّلَةً بِعِلَّةٍ أَلْبَتَّةَ ، كَمَا أَنَّ أَفْعَالَهُ كَذَلِكَ ، وَأَنَّ
الْمُعْتَزِلَةَ اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَهُ تَعَالَى مُعَلَّلَةً بِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ ، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَلَمَّا اضْطُرَّ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ إِلَى إِثْبَاتِ الْعِلَلِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ; أُثْبِتَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلَلَ بِمَعْنَى الْعَلَامَاتِ الْمُعَرِّفَةِ لِلْأَحْكَامِ خَاصَّةً ،
[ ص: 12 ] وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَحْقِيقِ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَالْمُعْتَمَدُ إِنَّمَا هُوَ أَنَّا اسْتَقْرَيْنَا مِنَ الشَّرِيعَةِ أَنَّهَا وُضِعَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ اسْتِقْرَاءً لَا يُنَازِعُ فِيهِ
الرَّازِيُّ وَلَا غَيْرُهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي بَعْثِهِ الرُّسُلَ وَهُوَ الْأَصْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=165رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [ النِّسَاءِ : 165 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 107 ] .
وَقَالَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ هُودٍ : 7 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ الذَّارِيَاتِ : 56 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ الْمُلْكِ : 2 ] .
وَأَمَّا التَّعَالِيلُ لِتَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ; فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى كَقَوْلِهِ بَعْدَ آيَةِ الْوُضُوءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 6 ] .
وَقَالَ فِي الصِّيَامِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ الْبَقَرَةِ : 183 ] .
وَفِي الصَّلَاةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [ الْعَنْكَبُوتِ : 45 ] .
[ ص: 13 ] وَقَالَ فِي الْقِبْلَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [ الْبَقَرَةِ : 150 ] .
وَفِي الْجِهَادِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [ الْحَجِّ : 39 ] .
وَفِي الْقِصَاصِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [ الْبَقَرَةِ : 179 ] .
وَفِي التَّقْرِيرِ عَلَى التَّوْحِيدِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [ الْأَعْرَافِ : 172 ] ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ .
وَإِذَا دَلَّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَى هَذَا وَكَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَمِرٌّ فِي جَمِيعِ تَفَاصِيلِ الشَّرِيعَةِ ، وَمِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ ثَبَتَ الْقِيَاسُ وَالِاجْتِهَادُ; فَلْنَجْرِ عَلَى مُقْتَضَاهُ - وَيَبْقَى الْبَحْثُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ مَوْكُولًا إِلَى عِلْمِهِ - ; فَنَقُولُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ :