الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          قوله تعالى: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (164) إن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد - صلى الله عليه وسلم - لهم وبعثته وإرساله إليهم، كما قال تعالى: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم فإن النعمة على الأمة بإرساله أعظم من النعمة عليهم بإيجاد السماء . والأرض، والشمس، والقمر، والرياح، والليل، والنهار، وإنزال المطر، [ ص: 223 ] وإخراج النبات، وغير ذلك; فإن هذه النعمة كلها قد عمت خلقا من بني آدم كفروا بالله وبرسله وبلقائه، فبدلوا نعمة الله كفرا .

                                                                                                                                                                                          وأما النعمة بإرسال محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن بها تمت مصالح الدنيا والآخرة، وكمل بسببها دين الله الذي رضيه لعباده، وكان قبوله سبب سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعم من الله على عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر . ونظير هذا صيام يوم عاشوراء حيث أنجى الله فيه نوحا من الغرق، ونجى فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده، وأغرقهم في اليم، فصامه نوح وموسى شكرا لله، فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متابعة لأنبياء الله، وقال لليهود: "نحن أحق بموسى منكم " فصامه وأمر بصيامه .

                                                                                                                                                                                          وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صيام يوم الاثنين ويوم الخميس، روي ذلك عنه من حديث عائشة ، وأبي هريرة ، وأسامة بن زيد . وفي حديث أسامة أنه سأله عن ذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" . وفي حديث أبي هريرة ، أنه سئل عن ذلك، فقال، "إنه يغفر فيهما لكل مسلم ، إلا مهتجرين، يقول: دعهما حتى يصطلحا" .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 224 ] وفي "صحيح مسلم " عن أبي هريرة مرفوعا: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء . فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا" .

                                                                                                                                                                                          ويروى من حديث أبي أمامة مرفوعا: "ترفع الأعمال يوم الاثنين والخميس . فيغفر للمستغفرين، ويترك أهل الحقد بحقدهم " .

                                                                                                                                                                                          وفي "المسند" عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس، ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم " .

                                                                                                                                                                                          كان بعض التابعين يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه، ويقول: اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                          يا من يبهرج بعمله، على من تبهرج، والناقد بصير; يا من يسوف بتطويل أمله، إلى كم تسوف والعمر قصير؟


                                                                                                                                                                                          صروف الحتف مترعة الكؤوس . تدار على الرعايا والرؤوس     فلا تتبع هواك فكل شخص .
                                                                                                                                                                                          يصير إلى بلى وإلى دروس     وخف من هول يوم قمطرير .
                                                                                                                                                                                          مخوف شره ضنك عبوس     فما لك غير تقوى الله زادا .
                                                                                                                                                                                          وفعلك حين تقبر من أنيس     فحسنه ليعرض مستقيما .
                                                                                                                                                                                          ففي الاثنين يعرض والخميس





                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية