الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن أن يكون الطقس البارد سببًا في خمولي المزمن؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نشكركم على هذه الخدمة، وعلى رحابة صدوركم، وجزاكم الله ألف خير، مشكلتي غريبة جدًّا، ولا أعرف لها سببًا، وقد احتار فيها الأطباء والأقرباء.

مشكلتي باختصار هي: أني عندما يكون الجو باردًا -كما هو الحال طيلة فترة الشتاء الممتدة من شهر أكتوبر إلى شهر مارس-، أكون في حالة من الخمول الرهيب، وعدم الرغبة في التفكير، أو العمل، أو القراءة، أو الوضوء والصلاة، أو حتى تغيير الملابس والتأنق للذهاب لمشوار بعيد.

دائمًا أشعر بشعور غريب لا أعرف كيف أصفه، وأشعر بنعاس خفيف، وألم خفيف في الرأس، وأستطيع أن أشبهه بحالة الشخص في شهر رمضان بعد الإفطار، نفس الشعور تقريبًا.

هذا الشعور يصيبني بالخمول، ويفقدني الحافز لإنجاز أي شيء، حتى إنني أجد مشقة في الذهاب إلى العمل، وكثيرًا ما أتذكر سورة النازعات، حيث تُصوَّر خروج الروح من أجساد الذين ظلموا أنفسهم بصورة شديدة ومؤلمة!

يلازمني شعور دائم بألم خفيف ونعاس مستمر، منذ لحظة استيقاظي صباحًا وحتى وقت النوم، ولا يتغير هذا الشعور حتى بعد النوم، أو شرب القهوة، أو ممارسة الرياضة.

لقد جربت كل الوسائل المعروفة لتحفيز النشاط، والتقليل من الخمول؛ من اتباع نظام غذائي صحي، والنوم المبكر، وممارسة التمارين الرياضية، إلى تقنيات التنفس المختلفة سواء لتنشيط الجسم، أو للتفريغ النفسي، لكن -للأسف- لم ألحظ أي تحسُّن يُذكر.

غير أني لاحظت خلال السنوات الثلاث الماضية أن مستوى الكسل يتراجع، ويزداد النشاط بشكل ملحوظ في الشهر الثالث من كل عام، ففي شهري مارس وأبريل، أشعر وكأنني أستيقظ من سبات، يرافق ذلك شعور قوي بتأنيب الضمير، يدفعني إلى اتخاذ قرارات بتغيير واقعي، والبدء من جديد.

لكن هذا النشاط غير ثابت، بل يتأرجح بين أيامٍ من الحماس والنشاط، وأيامٍ أخرى تغلب فيها مشاعر الخمول والتراخي.

لكن مع قدوم الشهر الخامس، يكون النشاط كبيرًا ومستمرًا، ونفس الشيء ينطبق على الشهر السادس والسابع، والثامن وبدايات التاسع، والغريب هو أني في هذه الشهور أمتلك نشاطًا أكبر من أقراني وأهلي، وبشكل ملحوظ، حيث إني أستيقظ منذ صلاة الفجر وأمارس الرياضة، وأقرأ في كل المجلات، وأخطط وأستثمر وقتي، وأتعجب من أهلي وأصدقائي الذين يستمرون في النوم حتى الساعة الثامنة!

وفي العمل أرى الجميع يعاني من التعب والجوع، خاصةً قبل انتهاء الدوام، أمَّا أنا فأعاني بدرجة أقل، وعصر كل يومٍ أخرج سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة، قد تصل إلى 5 كم، رغم أن درجة الحرارة تصل إلى 40.

كما أني أقوم بأعمال كثيرة؛ أزور الأقارب، وأشتري الحاجيات من السوق لنفسي أو لغيري، كثير الخروج والنشاط، حتى إني أسمع الكثير من عبارات التعجب والثناء؛ لهمتي العالية.

كل هذا يبدأ بالتقهقر مع النصف الثاني من الشهر التاسع، وفي الشهر العاشر، حيث أصبح متذبذبًا -كما هو الحال في الشهر الثالث والرابع-، وعندما يأتي شهر 11 أعود إلى السبات والخمول.

هذا الشيء يتكرر معي في كل عام ومنذ الصغر، غير أني لم ألحظه إلا في السنوات الثلاث الأخيرة، فكنت في السابق ألوم نفسي، وكنت أظن أن السبب هو الدراسة، حيث إني كنت لا أدرس إلَّا في آخر السنة، فكنت أظن أنه خوف من الرسوب، لكن الآن وبعد تخرجي، أعاني من نفس المشاكل، فليس للدراسة دخل.

وزاد تأكدي في هذه الأيام، حيث كنت أعاني من الخمول المعتاد في فصل الشتاء، لكن قبل أسبوعين جاءت موجة حر مفاجئة؛ شعرت خلالها بتحسُّن كبير في نشاطي، ورغبتي في العمل والتطور، وقمت على الفور بدخول دورة لتعلُّم اللغة الإنجليزية، وكنت أتمتع بنشاط كبير، لكن مع عودة البرد عُدت إلى سابق عهدي.

فأرجو أن تساعدوني؛ لأني بهذه الوضعية أخسر نصف عمري، علمًا بأني قد قمت بزيارة أطباء في العام الماضي، لكنهم لم يعرفوا تشخيصًا لحالتي، وقام أحد الأطباء بتحليل دمي، ووجد أني أتمتع بصحة جيدة، وقام طبيب آخر بإعطائي منشطات رياضية وفيتامينات، لكن دون جدوى، ثم قال لي: لعل السبب يكون نفسيًا، فأعطاني دواء معينًا، لكنه لم يغير أي شيء، فأرجو أن تساعدوني!

وهذه بعض المعلومات عني لعلها تفيد في التشخيص:
1- عندما أكون في حالة نشاط، ويصبح الجو باردًا فجأة، لا أشعر بالخمول مباشرة، بل أشعر به في اليوم التالي، والعكس صحيح، فعندما أكون خاملًا، ويصبح الجو حارًّا فجأة، لا أشعر بالنشاط مباشرة، ولكني أصبح نشيطًا في اليوم التالي.

2- 80% أتنفس من فمي، بسبب وجود انحراف داخلي في الأنف.

3- كنت في السابق أعاني من الرشح والحساسية طيلة فترة الشتاء، ولم يكن المنديل يفارقني أبدًا، لكن منذ سبع سنوات أخذت حقنة مضادة للحساسية، ولم يعد لهذه المشكلة وجود.

4- إنني من المواليد الخدج، وجئت إلى الدنيا بعد أن لبثت ثمانية شهور في رحم والدتي، يعني أنا من الأشخاص الذين وُلدوا قبل اكتمال فترة الحمل الطبيعية، أي قبل أن تصل فترة الحمل إلى 37 أسبوعًا.

5- عندما كنت صغيرًا -ست سنوات فما دون-، كنت أعاني من وجع شديد في الرأس، حتى إن والدتي تقول: إنه كان يغمى عليك بسبب الوجع، وتم نقلك إلى المشفى أكثر من مرة، لكن بعدها أصبحت نوبات الوجع أقل حدة. وأتذكر أني كنت أعاني من هذا الوجع في المرحلة الابتدائية.

6- كنت مصابًا في الصغر بنقص في الكالسيوم.

آسف على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حالتك -إن شاء الله- قد توصلنا إلى تشخيصها؛ لأن وصفك كان دقيقًا وجيدًا، وهذه الحالة ليست منتشرة، وربما يكون الكثير من الأطباء لم تُعرض عليهم، ولكن أطباء الطب النفسي الممارسين لسنوات طويلة، قطعًا تكون عُرضت عليهم مثل حالتك.

تشخيص حالتك -أخي الكريم- يسمى "الاضطراب الوجداني الموسمي"، (Seasonal Affective Disorder)، (SAD) وقد يكون مصحوبًا بتقلبات مزاجية موسمية ثنائية القطبية.

العلاج يشمل التعرض للضوء الساطع خلال فصل الشتاء، واستخدام مضاد للاكتئاب مثل (فلوكسيتين، Fluoxetine) خلال نفس الفترة، بالإضافة إلى مثبت للمزاج، مثل (لاموتريجين، Lamotrigine) لفترة أطول، وهناك خيارات أخرى لمثبتات المزاج إذا لم يكن (لاموتريجين) مناسبًا، ومن المهم أيضًا ممارسة الرياضة، وتنظيم النوم.

هذا مؤشر على أن حالتك أيضًا، تحمل سمة ما يمكن أن نسميه بـ "الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية الموسمي"، ونعني بذلك أن المزاج ينخفض في أوقات معينة، ويرتفع أو يكون على وضعه الطبيعي في أوقات أخرى.

العلاج الأساسي لمثل حالتك هو:
أولًا: أن تفهم أنها ليست حالة عضوية، إنما هي حالة تأتي في نطاق الطب النفسي.

ثانيًا: العلاج يتمثل في أن فترة الشتاء، يجب أن تعرض نفسك لضوء قوي، وهنالك أجهزة في بعض المراكز المختصة في الدول الأوروبية، خاصة الدول التي يكون فصل الشتاء فيها طويلاً وقاسيًا، هنالك أجهزة معينة ينبعث منها ضوء شديد يعرض الإنسان فيها لهذا الضوء لفترة قد تمتد أربعة ساعات في اليوم، الذين يتعرضون لهذا النوع من العلاج هم الذين يعانون من الاكتئاب الوجداني الموسمي.

ربما لا تتوفر هذه الأجهزة في منطقتك، أو في المكان الذي تعيش فيه، ولكن هناك وسيلة أخرى سوف تساعدك، وهي أن تعرض نفسك لأي ضوء ساطع في الغرفة، وحاول أن تكشف أكبر قدر من جسدك، ويمكن أن يكون هذا التعرض لمدة ساعة في اليوم، وأنصحك أيضًا بأن تعرض نفسك لأشعة الشمس في فصل الشتاء.

وُجد أن التعرض للضوء يغير من فيزياء الجسم، ويؤدي إلى إفراز وتنشيط مواد كيميائية، منها: مادة تعرف باسم (ميلاتونين، Melatonin)، وأخرى تعرف باسم (سيروتونين، Serotonin)، وهذه المواد لها دور كبير جدًّا في تنظيم مزاج الإنسان.

هذا هو الجزء الأول في العلاج، أما الجزء الثاني: فأنت في حاجة لأن تتناول نوعين من الأدوية:

- النوع الأول هو مضادات الاكتئاب: ومنها العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علميًا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، وهذا الدواء يجب أن تبدأ في تناوله مع بداية الشتاء، والجرعة التي تحتاجها هي كبسولة واحدة في اليوم، ومع انتهاء الشتاء -فترة الخمول هذه- توقف عن تناول الدواء.

- أمَّا الدواء الثاني فهو دواء مثبت للمزاج: وهنالك عدة أدوية تحت هذه المجموعة، والدواء الذي أفضله عقار يعرف تجاريًا باسم (لاميكتال، Lamictal)، ويعرف علميًا باسم (لاموتريجين، Lamotrigine)، أرجو أن تتناوله بجرعة 50 ملغ يوميًا لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى 50 ملغ صباحًا، وأخرى مثلها مساءً، وتستمر عليها لمدة عام، ثم بعد ذلك يمكن التوقف عنه، أو الاستمرار عليه إذا رأيت أنك قد جنيت منه فائدة؛ لأن هذا الدواء ممتاز وفعال، ولكن الاستجابة تعتمد على المقومات والتكوينات الشخصية للإنسان.

وإذا لم تحسّ منه نتائج جيدة، يمكننا أن نصف لك دواء آخر من الأدوية المثبتة للمزاج، مثل عقار يعرف تجاريًا باسم (ديباكين كرونو، Depakine Chrono)، ويسمى علميًا باسم (حمض الفالبرويك، Valproic Acid)، أو عقار آخر يعرف باسم (تجراتول، Tegretol)، أو يسمى علميًا باسم (كاربامازيبين، Carbamazepine).

اللامكتال دواء سليم، ولكنه قد يسبب طفحًا جلديًا وحساسية لبعض الناس، إذا حدث هذا، أرجو أن تتوقف عن تناول الدواء، وأن تتواصل معنا.

أرجو أن أكون قد أوضحت لك الجانب المهم في حالتك، وهو التشخيص، وكذلك سبل العلاج، وهناك إضافات أخرى مهمة، منها: أن تمارس الرياضة، وأن تكون فعالاً، وأن تنظم نومك وأوقات راحتك، هذا كله مهم جدًّا.

وما ذكرته حول أنك وُلدتَّ قبل إكمال فترة الحمل، وأنك مصاب بحساسية، فلا أعتقد أن لذلك أي دخل في حالتك، ويسعدني أن أقول لك: إننا قد توصلنا -الحمد لله- لتشخيص الحالة كما ذكرت لك، وأنت لست في حاجة لأي نوع من الفيتامينات أو المنشطات، ولا أعتقد أنك في حاجة إلى أي نوع من الفحوصات الطبية الخاصة.

وختامًا: نشكر لك تواصلك مع استشارات إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً