الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخجل كثيرًا ولا أستطيع الاندماج مع الآخرين، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكورين على هذه الخدمة المفيدة جدًا.

عمري 21 سنة، أعاني كثيرًا من عدم استطاعتي الاندماج مع الآخرين، فعند كلامي معهم يحمر وجهي ويرشح، وأتلعثم، وتتسارع ضربات قلبي، فلا أتمالك نفسي، فأرتجف من هول الموقف! هي أوهام، ولكن كيف بإمكاني التغلب عليها؟ فقد أثرت عليّ جدًا في علاقتي مع أصدقائي، وأنا لا أحب أن ينظر إلي أحد بأني ضعيف الشخصية.

استعملت جرعة التفرانيل قبل سنة لمدة 6 أشهر، وتحسنت حالتي آنذاك! ولاحظت بأني لا أجيد الكلام مع أصدقائي الجدد أو ذوي الشخصيات القوية، ولكن مع الشخصيات الضعيفة وأصدقاء الطفولة والاندماج معهم صرت أتكلم بطلاقة.

فهل صحيح أن هذا له علاقة بالوراثة؟ لأنني أتذكر وأنا صغير كنت أتلعثم أثناء قراءة القرآن أو أي شيء أمام زملائي وينتابني نفس الشعور، وهكذا أخي!

حالتي تسوء جدًا، فأنا استسلمت للحكم على نفسي بأني لا أعرف التكلم، وجرح وإحراج الناس لي بأني مريض نفسي، أنا أفكر كثيرًا بنظرة الناس إلي، مع العلم بأني كنت أمارس العادة السرية.

أنا أستعمل الآن اللوسترال بناءً على إفادتكم لعلاج الرهاب، فكيف وإلى متى أستمر عليه؟ معظم عائلتي لديهم نفس المشكلة، ومنهم أمي، فكيف أتصرّف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الحالة التي تعاني منها هي حالة بسيطة، نسميها بقلق الرهاب الاجتماعي أو الخوف الاجتماعي، في هذه الحالة، يشعر الإنسان بالخوف وعدم الارتياح، وينتابه شعور بأنه سيتلعثم وأنه سيفقد السيطرة على الموقف، وقد يتعرق أو يرتجف البعض، يحدث هذا في المواقف الاجتماعية العادية، أو المواقف التي تتطلب نوعًا من المواجهة لدى بعض الأشخاص.

وكما تفضلت وذكرت، فإن هذا لا يحدث لك أمام الأشخاص الذين اعتدت التعامل معهم، ولاحظ هذه الأعراض أكثر مع الغرباء، هذا أيضًا وصف دقيق جدًا للرهاب الاجتماعي، وحالتك عمومًا من الدرجة البسيطة وليست من الدرجة المعقدة إن شاء الله.

بالنسبة لعامل الوراثة، هل يلعب دورًا في تسبب الرهاب والخوف الاجتماعي أم لا؟ هذا سؤال جيد، حيث إن دراسات علمية كثيرة جدًا تقول: إن أربعين بالمائة من مرضى الرهاب الاجتماعي لديهم تاريخ أسري لنفس المرض، أي أن أحد أفراد الأسرة أو أكثر مصاب بنفس الحالة، هذا لا شك يجعلنا نقول إن الوراثة هي عامل من العوامل التي تسبب الرهاب الاجتماعي.

ولكن هذه الوراثة ليست وراثة مباشرة، أي أن الإنسان لا يرث المرض نفسه إنما يرث الاستعداد له، يكون الشخص أكثر قابلية للإصابة بالخوف والرهاب الاجتماعي، إذا تعرض لمواقف تتطلب مواجهة أكثر، وهذا يحدث لمن له تاريخ في الأسرة، بعكس من ليس له تاريخ مرضي في الأسرة.

إذًا باختصار، الوراثة تلعب دورًا في الاستعداد للرهاب الاجتماعي، لكن تأثيرها ليس مباشرًا، أو كبيرًا، والأهم هو البيئة والظروف الحياتية، والمواجهة وتجاهل الأعراض هما أفضل طرق العلاج.

بالإضافة إلى المواجهة والتواصل مع الأصدقاء، أنصحك بما يلي:
- وجّه نظرك إلى وجوه الأشخاص أثناء حديثك معهم.
- احرص على المشاركة الدائمة في المناسبات الاجتماعية.
- انخرط في الألعاب والرياضات الجماعية مع أصدقائك.
- وحاول حضور حلقات تلاوة القرآن.
هذه كلها أنشطة اجتماعية رائعة وستعود عليك بفائدة كبيرة.

في بداية الأمر سوف تحس بالقلق ومن الخوف، ولكن بعد ذلك سوف تجد هذا الخوف بدأ يضعف حتى يتلاشى، إذًا المواجهة هي العلاج السلوكي للخوف والرهاب الاجتماعي.

ولمساعدة نفسك: من الضروري أن تصحح مفاهيمك، فالأعراض التي تظهر عليك من احمرار في الوجه وتلعثم في الكلام ورجفة هي أعراض موجودة، ولكنها بدرجة بسيطة جدًا، وليست بالصورة التي تتخيلها أنت.

لقد أثبت العلماء تمامًا أن هناك مبالغة وتضخيمًا للأعراض، من جانب الشخص الذي يعاني من الرهاب، لذا، أؤكد لك أنه لا أحد يراقبك أو يحتقرك، فهذه كلها أفكار غير صحيحة، وعليه، يجب أن تبني صورة إيجابية عن نفسك، فالناس سواسية، ليس هناك أحد أفضل من أحد إلا بالدين والتقوى، وهذا هو المبدأ الذي يجب أن ترتكز وتعتمد عليه.

إن شعورك بأنك ضعيف الشخصية ليس حقيقة ثابتة، بل هو ناتج عن الخوف الاجتماعي الذي تعاني منه، ومع استمرار تفاعلك مع الآخرين، سيتبدد هذا الشعور تدريجيًا بإذن الله.

أنت قبل ذلك استجبت لعلاج (توفرانيل، Tofranil)، وهذه بشارة ممتازة؛ لأن (توفرانيل) يفيد في علاج القلق الاجتماعي، وإن لم يكن من الأدوية القوية، وعليه أريدك أن تستمر على دواء (لوسترال، Lustral)، فهو مفيد وفعال جدًا، وجرعة البداية هي حبة واحدة (خمسون مليجرامًا).

بعد أسبوعين أو ثلاثة أو أكثر، يمكن أن ترفع الجرعة إلى مائة مليجرام – أي حبتين في اليوم – استمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى خمسين مليجرامًا (حبة واحدة) لمدة أربعة أشهر أخرى، ثم حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذه هي الطريقة الأفضل لتناول هذا الدواء في مثل هذه الحالات، وبفضل الله تعالى هو من الأدوية السليمة جدّاً.

أنت ذكرت أنك كنت تمارس العادة السرية، وما دمت ذكرت الأمر بصيغة الماضي فهذا يُبشرنا أنك قد توقفت عنها، ولا شك أنها مضرة ومهلكة للنفس وللجسد، ونحن سعداء أن نعرف أنك قد توقفت عنها.

فركز في دراستك لتكون من المتفوقين ومن المتميزين، ولابد للإنسان أن تكون له أهداف واضحة في الحياة، يسعى لتحقيقها بإذن الله، وهذا يجعلك أيضاً تشعر بقيمة نفسك، وهذا من أهم العوامل التي تبني الثقة في النفس.

وختاماً: نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً