الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طفلي يضرب الأطفال ولا يتفاعل مع زملائه بالكلام!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم على هذا الموقع، ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين.

الموضوع: بخصوص ابني، وعمره حوالي أربع سنوات، والتحق مؤخرًا بالروضة، وكنت سعيدة جدًا بذلك، ولكن عندما ذهبت للسؤال عنه، وعن تقدّمه وتفاعله مع المعلمة، فوجئت بأنها تقول: إنه يضرب الأطفال، بل يضربهم في أماكن حساسة، مثل: الوجه.

كما ذكرت أنه لا يتحدث؛ فعندما تسأله لا يرد، ولا يتفاعل مع زملائه بالكلام، إلا أنه يشارك في غناء الأناشيد معهم.

للعلم: المدرسة من الجنسية الهندية، ولا تتحدث اللغة العربية بطلاقة، وهي مدرسة اللغة الإنجليزية.

انتظرت فترة، وكنت خلالها أطلب منه باستمرار أن لا يضرب الأطفال، وأشجّعه على أن يكون حسن الطبع، ثم ذهبت للسؤال مجددًا، فوجدت أن المعلمة تقول: إنه أصبح أكثر عنفًا، ويضرب الأطفال حتى بزجاجة الماء البلاستيكية على وجوههم، وقالت: إنها أصبحت تشعر بالخوف منه، وإنها تعاقبه بجعله يقف بجوار السبورة، كما أنها أرسلته إلى المشرفة -وهي عربية- لتتحدث معه وتقيّم حالته إن كان طفلًا طبيعيًا أم لا؟

وللأسف، وجدت أن معلمة اللغة العربية تقول الشيء نفسه: بأنه يضرب زملاءه، ولا يتحدث، ولا يستجيب لأي طلب، مثل: أخرج كتابك من الحقيبة، أو أدخله، أو تعال إلى السبورة لتكتب مثل زملائك، بل إنها سألتني صراحةً: هل يعاني من صعوبة في الإدراك؟ فبكيت كثيرًا، ولا أعرف كيف أتصرف؟

في البيت هو جيد عمومًا، صحيح أن العصبية تغلب عليه أحيانًا، ويضرب أخاه الصغير، لكنه يعتذر بعدها ويقبّله، وهو ذكي ولمّاح، يعرف الطرق جيدًا، ويتعرّف على المكان الذي سنذهب إليه من الطريق، كما يعرف أسماء المحلات، قبل دخول الدراسة كنت أدرّسه من خلال الإنترنت، ويحفظ أسماء الألوان، والعديد من الحيوانات، وأعضاء الجسم، باللغتين العربية والإنجليزية.

أنا أعترف أنني أنا ووالده قد نضربه أحيانًا، ونحن نعلم أن ذلك خطأ، وكان ذلك غالبًا بسبب ضربه لأخيه، أو لسلوك سيئ متعمد، لكننا تعاهدنا على عدم تكرار هذا الأمر -بإذن الله-.

أصبح مكروهًا من بعض المدرّسين، ولا أعرف كيف أعكس تلك الصورة السلبية التي تكوّنت عنه، أما والده: فيرى أن نُبقيه في المنزل، ونستعين بمدرّس خصوصي إلى أن يكبر ويكون أكثر نضجًا وإدراكًا.

استفساراتي: هل هذه الخطوة صحيحة؟ وما الحل مع حالته؟ وما الواجب علينا كأبوين تجاهه؟

أعتذر على الإطالة، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إبداء الطفل للغضب، وضربه للآخرين، وصراخه في هذا العمر، يُعدّ دليلاً على احتجاج داخلي على وضعٍ ما غير مريح له، والسبب في ذلك قد يكون واضحًا جدًّا، وهو انتقاله من بيئة المنزل إلى الروضة؛ حيث يواجه صعوبة في التكيّف مع الوضع الجديد، فيُعبّر عن رفضه أو انزعاجه بهذه السلوكيات.

ولا شك أن سلوك الضرب لديه يُعتبر تجربة مكتسبة؛ إذ أنه قد تعرّض للضرب من قبلكما، وهذا جعله يتبنّى الضرب كوسيلة للتعبير والتواصل مع من حوله، وبالطبع القرار السليم والصحيح، هو أنكما لن تقوما بضربه بعد الآن، وهذا شيء أعتقد أنه سوف يفيده كثيرًا.

الطفل من وجهة نظري طبيعي، حسب ما ورد في رسالتك، فهو لديه -الحمد لله- قدرات معرفية وذهنية جيدة، وهذا التصرف الذي يبدر منه هو تصرف مؤقت، وما قامت به المُدَرِّسة الهندية من مطالبته بالوقوف بجوار السبورة كنوع من البديل المناسب لتعديل السلوك، أعتقد أنه كان شيئًا جيدًا وصحيحًا.

هنالك طرق أخرى كثيرة، منها: أن يُعزل الطفل لفترة قصيرة، ولكن يجب أن نربط في ذهنه أن هذا العزل الذي حدث له هو نتيجة لضربه للأطفال الآخرين، كأن يُقال له بهدوء: نحن سنجلسك هنا قليلاً لأنك ضربت أحد الأطفال، وهذا لا يجوز.

هذه أساليب سلوكية بسيطة وتساعد الطفل، وفي نفس الوقت يجب أن يُحفز الطفل على كل عمل إيجابي يقوم به.

أنا أعتقد أنه سيكون من الصواب أن نترك الطفل في البيت، وبعد ذلك يذهب إلى المدرسة، ومن الأفضل أن تحاولي الذهاب معه للروضة، حاولي الذهاب معه بمعدل يومين أو ثلاثة في الأسبوع، وقومي بتوجيهه فيما يخص ضرب الأطفال، مثلًا قومي أنت بضربه بصورة لطيفة وغير مبرحة، وقولي له: هذا ممنوع، هذا ليس صحيحًا، ويجب عليك التنبيه والتكرار له...؛ وجودك سوف يقلل من عوامل انفعالاته وكذلك احتجاجاته.

هذا مقترح قد يُصيب وقد لا يُصيب، ولكن المهم في نهاية الأمر أن تعديل السلوك يقوم على تحفيز الطفل لفعل جديد، وتوجيهه نحو فعله الخطأ، وكذلك نسعى من أجل التجاهل بقدر المستطاع لتصرفاته السلبية؛ لأن التجاهل يطفي التصرف السلبي، والسلوك السلبي، ويتم استبداله بسلوك آخر مخالف.

في البيت عليك أن تكثري من تحفيز الطفل، وتشجيعه على السلوك الصحيح، وكما ذكرنا فإن الضرب يجب أن لا يكون منهجًا في التعامل معه، وقربي بينه وبين أخيه الأصغر، بأن تجعليه يهتم بشؤون أخيه، أن يساعد في تحضير ملابسه، أن يُحضر له المتعلقات الخاصة به فيما يخص طعامه وشرابه، وهكذا.

هذه كلها حقيقة تُبعد وتقلل من الفجوة العصابية الانفعالية، وتجعله يكون أكثر قدرة على التواؤم والتصرف بصورة أفضل.

أعتقد أن التغير سوف يحدث لهذا الطفل ما دام مستوى الذكاء لديه طبيعيًا، فهنالك بشارات كثيرة أن هذه مجرد حالة عابرة، -وإن شاء الله- يُبنى لديه سلوك جديد، كما أرجو أن تجعليه يستفيد من الألعاب ذات السمات التعليمية.

يوجد كتاب جيد جدًا للأخ الدكتور/ مأمون مبيض، بعنوان (أولادنا من الطفولة إلى الشباب)، أعتقد أن الدكتور/ مأمون قد ركز كثيرًا على تعديل السلوك لدى الأطفال في عمر ابنك، -وإن شاء الله- هذا سوف يكون مفيدًا لك ولابنك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك كثيرًا على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً