الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يطلبون مني كشف وجهي أمام إخوة زوجي والصبر على إهانات كبار السن!

السؤال

أنا شخصية تشعر بالاضطراب أحيانًا، فأحيانًا أشعر أن الدنيا كلها تحبني، وأحيانًا أشعر بالعكس، لدي طفلان، ولد وبنت، أعيش في بيت عائلة زوجي الذي هو دائم السفر، وأصبحت شخصية حادة الطباع، أشعر أن لا أحد يهتم بأمري أو يفهمني.

لبست النقاب مؤخرًا، وأواجه اعتراضات من أهل زوجي؛ حيث يطلبون مني أن أكشف وجهي داخل البيت أمام إخوة زوجي، وهو لا يعارض ذلك.

ولدي سؤال آخر: ما معنى أن يحب الإنسان أن يتحمل منه الإهانة بسبب وبدون سبب بحجة أنه أكبر سنًا؟ أشعر أن الدنيا بأسرها تتحامل عليّ، ولا أستطيع مواجهتها.

أرجو منكم الدعاء لي ولأولادي بالهداية؛ لأنني تائهة بين السطور ولا أدري ماذا أكتب أو أقول!
أسأل الله العفو والعافية لي ولكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله لنا ولك ولأولادك وأولادنا وجميع المسلمين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

فإن رسالتك قد احتوت على مؤشرات مهمة فيما يخص درجة المزاج لديك وتقلبه، وكذلك التركيبة النفسية لأبعاد شخصيتك، ولذا حقيقة أنصحك بالذهاب لمقابلة طبيب نفسي، لا أعتقد أن حالتك معقدة، لكنها تتطلب المزيد من الاستقصاء، والتشخيص المبدئي الذي أراه أنه ربما يكون لديك درجة بسيطة جدًّا من اضطراب المزاج، هنالك حالات تسمى باضطراب المزاج ثنائي القطبية من الدرجة الثانية والثالثة، لا أستطيع أن أقول لك يقينًا إنك تعانين من هذه الحالة، لكن هنالك بعض المؤشرات في رسالتك المختصرة، ربما تحتاج لمزيد من الاستقصاء لإثبات هذا التشخيص أو نفيه، وفي كل الحالات – أي إذا أثبت التشخيص – فالعلاج سهل جدًّا، وإذا نفي فإن شاء الله أيضًا سوف تعطين شيئاً بسيطاً يكون مثبتًا للمزاج، هذا من ناحية.

من الناحية الثانية: لا شك أن الأمور التي تتعارض مع الشرع على الإنسان أن لا يتبعها، ولا يمكن أبدًا أن يطيع الإنسان مخلوقا في معصية الخالق مهما كان الأمر، هذا من ناحية ثانية.

من ناحية ثالثة: دائمًا المرء في التعامل مع الناس في الأمور الدينية والأمور الحساسة والخاصة يتعين عليه أيضًا أن يكون هنالك شيء من الفطنة والكياسة، ولا أقول التهاون، ولكن الحدة في التعامل غير مطلوبة في هذه الأمور، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

بالنسبة لسؤالك عن الإهانة وكبار السنة؛ فالإهانة لا يقبلها الإنسان، والشخص الأكبر في السن إذا كان محترمًا ووقورًا لا يسعى في الأصل لإهانة الآخرين، أنا أرى أنه ربما يكون أيضًا هنالك شيء من اختلاف في التأويل من ناحيتك، يجب أن نكون دقيقين في تخير الكلمات ونعطيها معناها الصحيح، وكثير من الأمور تتحمل عدة أوجه، لذا التدقق مطلوب أيتها الفاضلة الكريمة.

هل فعلاً تصرف هذا الشخص يقصد به إهانتي أو يحاول أن يثبت سلطته بحسب عمره أو هذا طبعه باعتبار كبر سنة مثلاً؟
هذه أيضًا أمور تتطلب الاستقصاء وتتطلب التفسير، لكن قبول الإهانة لا أحد يقبله ولا أحد يؤيده ولا أحد يستطيع أن يسكت عليه، لكن في كل الأزمات التي تتعلق بالعلاقات الإنسانية والتواصل يتطلب منا الأمر الكيفية التي ندير بها مثل هذه المواقف، هذا مهم جدًّا أيتها الفاضلة الكريمة، فليس معنى أنه إذا أتاني اعتقاد أن هذا الشخص يهينني أو لابد أن أتحمل إهانته بحكم عمره، أنا أبدأ فورًا في أن أتخذ موقفًا حازمًا، لا، فكما ذكرت لك الصبر، التأني في التفسير، عدم سوء التأويل، أن نحاول أن نجد العذر للطرف الآخر، هذا كله يفيد الإنسان في مواجهة مثل هذه المشاكل.

أختم بأن أقول لك: أنصحك بأن تذهبي إلى مقابلة طبيب، لا أعتقد أن لديك علة رئيسية، لكن نحن دائمًا نتحرى ضبط الجودة، ضبط الجودة في كل شيء، في العلم، وفي التشخيص، وفي العلاج، هذا مطلوب، والحمد لله تعالى مصر بها الكثير من المختصين، اذهبي وقابلي أي طبيب نفسي في منطقتك، وإن شاء الله تعالى تجدين كل الرعاية والتوجيه من قبله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

انتهت إجابة المستشار النفسي الدكتور/ محمد عبد العليم – يليها إجابة المستشار الشرعي الشيخ / أحمد الفودعي .. لما يتعلق من الناحية الشرعية.
___________________________

فمرحبًا بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى لنا ولك الهداية والتوفيق والثبات.

لا شك أيتها الأخت الكريمة أنك بإذن الله تعالى قد أخذت بأسباب التوفيق، وفتحت أمامك أبواب السعادة بامتثالك لأمر الله تعالى والوقوف عند حدوده بالتزامك للحجاب، وحرصك على إرضاء الله تعالى والقيام بأمره، وهذا بإذن الله تعالى سبب لسعادتك عاجلاً وآجلاً.

ونصيحتنا لك أيتها الكريمة أن تعملي بما أوصى به الطبيب من الأخذ بالدواء الحسي، فإن الله عز وجل ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم للتداوي لهذا السبب، فقال: (تداووا عباد الله).

ومن الأدوية النافعة بلا شك أيتها الكريمة: الإكثار من ذكر الله تعالى والاشتغال بمناجاته، وهذا يفيدك جدًّا في طمأنينة النفس وارتياح البال، فقد أرشدنا الله تعالى في كتابه للأخذ بأسباب الطمأنينة، ومن أعظمها ذكر الله تعالى، كما قال: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

فوصيتنا لك أن تكثري من ذكر الله تعالى صباحًا ومساءً وعند النوم وعند الاستيقاظ، وخذي حظك من كتاب الله تعالى، واجعلي لك وردًا يوميًا تقرئينه بتأمل وتدبر؛ فإن هذه الأسباب بإذن الله تعالى تطرد عنك كثيرًا من الهم والقلق.

كما أن حرصك أيتها الكريمة على حسن خلقك سبب بإذن الله تعالى على جلبك قسطًا كبيرًا من الراحة والسعادة، فتعاملك مع الناس بخلق حسن وإن أساؤوا إليك فهذا يُكسبك يومًا بعد يوم مزيدًا من الصبر، كما يُكسبك أيضًا احترام الآخرين وحبهم لك وتقديرهم لك، ولا تظني أبدًا بأن ترك الانتصار للنفس والأخذ بالحق ضعف وهوان من الإنسان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا).

أما عن كشفك للحجاب أمام الرجال الأجانب ومنهم إخوان زوجك، فهذا لا يجوز، فإن الله عز وجل قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يأمر المؤمنات بالاحتجاب الكامل أمام الأجانب، فقال سبحانه وتعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدْنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة باجتناب ما يؤدي إلى الفتنة بالمرأة، ومن ذلك ما أرشد إليه النساء من لزوم الحجاب، وقد كانت نساء الصحابة يسدلن على وجوههن وهنَّ في إحرام الحج، كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله تعالى عنها، مع أن المرأة مأمورة بكشف وجهها في الحج، ولكن إذا خالطت الأجانب كانت تسدل على وجهها خشية أن يراها الأجانب.

وقد أقر فقهاء الإسلام عبر قرونه الطويلة، ورأوا بأن المرأة مأمورة بأن تغطي وجهها أمام الأجانب إذا علمت أنهم سينظرون إليها، ومن ثم فإن هذا فرض عليك، ويجب أن تلتزميه، ولكن من المستحسن أيتها الكريمة أن تمهدي لهذا بالكلام الحسن لإقناع زوجك وتذكريه بأن هذا عائده الخير لك وله، وعلى أبنائك بعد ذلك، ونحن على ثقة بأن الزوج سيتفهم هذا، وسيعلم أن هذا من أسباب غبطته وفرحه، ومن كمال صيانة عرضه، لكن الكلمة الحسنة تبقى دائمًا أيتها الأخت هي مفتاح القلوب ووسيلة الإقناع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه).

نسأل الله تعالى لك الثبات على الحق والخير، ونسأله سبحانه وتعالى أن يبارك لك في أبنائك ويقر عينك بصلاحهم وصلاح زوجك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً