الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استهزاء الناس بمظهري أثر علي وأصابني بحالة نفسية!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سأدخل في الموضوع مباشرة -دكتور محمد عبد العليم-؛ فقد قررت في هذه الرسالة أن أضع حدًا لمشكلتي، وسأكتب كل ما في نفسي هنا، فمشكلتي هي أني غير واثق في شكلي تمامًا، ولا أعرف كيف أقيم نفسي! أحيانًا أراني جميلًا، وأحيانًا أرى عكس ذلك، مقززًا، مضحكًا، وغير مقبول، وأحيانًا أعود وأشاهد نفسي وسيماً! أنا خجول من هذا الكلام، لكني مررت بتجربة قاسية لا أستطيع تجاوزها، وإن كانت الآن أخف بكثير – والحمد لله.

سأبدأ ببداية المشكلة، وكانت في فترة المراهقة والدراسة، وكنت في هذه المرحلة أعاني من استهزاء الناس بمظهري، خصوصًا ملامح وجهي، فوجهي نحيف جدًا وطويل، وأذناي بارزتان إلى الأمام، فشكلي عند البعض مضحك ومادة للسخرية.

كنت أتعرض يوميًا تقريبًا للاستهزاء والسخرية بشكل لاذع، واستمرت هذه المعاناة من عمر 12 سنة إلى 18 سنة، وبعدها، لم أعد أتعرض لمثل هذه المواقف، ربما لأن شخصيتي كانت ضعيفة ولا أستطيع الدفاع عن نفسي، لكنها أثّرت في كثيرًا، ودائمًا ما أتذكر المواقف التي تعرضت لها وأشعر بألمها، ولا تفارقني لحظة!

الآن أنا بعمر 31 سنة، ولست متزوجًا، وأعاني من اكتئاب وخوف من الظهور في الأماكن العامة، وهذا أمر مؤسف، وأشعر عند دخولي لأي مكان عام أن الناس تنظر إليّ، وأي نظرة – حتى لو كانت عابرة – أفسرها فورًا بأنها بسبب شكلي.

أتأثر بسرعة، وأشعر بحزن عميق إذا أحد علّق على مظهري، وأشعر بنفسيتي محطمة، ويزيد ذلك من حساسيتي العالية تجاه النقد، وما يزيد الطين بلّة إحساسي بتضخيم هذه المشاعر في داخلي.

هذه المشاعر والأفكار موجودة معي من فترة المراهقة إلى الآن، ولم أبدأ العلاج إلا من 5 سنوات تقريبًا، وأدرك أني تأخرت في طلب العلاج، لكنه قضاء الله وقدره.

أتذكر مرحلة الطفولة، كنت أفعل طقوسًا قهرية غريبة، وإذا لم أفعلها لا أشعر بالراحة، وعلاقاتي الاجتماعية لا أعتبرها جيدة، فمهاراتي في التواصل والحديث محدودة نوعًا ما، ولا أستطيع الحديث بثقة، ولا أستطيع النظر في وجه المتحدث أمامي، ولا أستطيع الضحك أو المحاورة.

عندما أتحدث مع شخص، تتسلط عليّ هذه الأفكار وتنسيني ما سأقول، وأتلعثم ويضيع الكلام، وأبقى متخشبًا لا أستطيع الكلام.

لا أستطيع التحدث أو الاسترسال في فكرة بسبب تسلط الأفكار، وأحيانًا تصدر مني تصرفات غريبة بسبب هذه الأفكار اللا إرادية، وتثير نظرات البعض، ولا يوجد لدي علاقات قوية، وأشعر أني لست صاحب شخصية جذابة أو ملفتة، بل أشعر دومًا بالتحقير الذاتي وجلد الذات المستمر.

مع أني سمعت أكثر من مرة مديحًا عن شكلي من الجنسين، وبعضهم قال لي إنك وسيم، لكن لا أقتنع بذلك، وسرعان ما أفسرها تفسيرات أخرى على أنها مجاملة فقط.

المشكلة الكبرى والأساس هي أن هذه الأفكار مسيطرة ومطبّقة عليّ. أحاول قدر المستطاع أن أبعدها، لكنها تأتيني على شكل أفكار قهرية، يعني لا أحتاج أن أفكر فيها، بل هي موجودة داخل رأسي، متعايشة معي، أي أنها ليست فترات متقطعة، بل مستمرة معي في كل لحظة وكل حركة مني، ولا تجعلني أستمتع بحياتي اليومية، وأشعر أحيانًا بالوهن والتعب من كثرة التفكير.

كذلك لدي أفكار قهرية، هناك خوف من الأمراض، وأفكار تتعلق بالذات الإلهية، وأفكار إلحادية، وأفكار تتعلق بالجنس والسب، تأتي بشكل مندفع.

أشعر أني متوحد مع ذاتي، أراقب نفسي ومشاعري، وأبدأ أسأل نفسي: هل أنا موجود فعلًا؟ وأفكر في الأمور الكونية والأشياء المقدّرة، ودائمًا أسأل "لماذا؟" وأبحث عن الجواب!

أصاب أحيانًا بنوبات هلع، وعدم القدرة على التحكم في المشاعر والأفكار، ويصيبني قلق، ولا أجد تفسيرًا لطريقة تفكيري الوسواسية، وهل هي جزء من شخصيتي؟ أم ماذا؟

الآن، وبعد علاج سنة ونصف، خفّت هذه الأفكار التي لا أدري هل أسميها هلوسة أو ذهانية.

بشكل عام، أنا أفضل من السابق، لكن لم أصل للحد الأدنى المطلوب، وأقوم بأعمالي اليومية المهمة، وأتواصل مع الناس، لكن لا أعتبر تواصلي ناجحًا.

منّ الله عليّ بنعمة المال، والأخلاق العالية بشهادة الجميع، والذكاء، وحب فعل الخير.

هناك شيء آخر يجب ذكره: أنا مدمن على الحشيش – نسأل الله العافية – منذ 12 سنة، بشكل شبه يومي، وحاولت أن أتركه، لكن لا أستطيع، وبالنسبة للأدوية التي استخدمتها منذ سنة ونصف هي: سيبرالكس 10 ملجم: حبتين صباحًا، ولاميكتال 100 ملجم: حبتين بالليل، ويلبوترين 300 ملجم: حبة في الظهر، وفلوانكسول Fluanxol: ثلاث حبات مع السيبرالكس صباحًا.

استمررت على هذا العلاج لمدة سنة ونصف، وزرت الطبيب بالأمس، وقام بإضافة دواء اسمه إفيكسر بدلًا من السيبرالكس، لأن التحسن لم يكن بالشكل المطلوب.

علمًا بأني كنت أستخدم قبلها بروزاك مع رزبردال لمدة 4 سنوات ولم أستفد منه، والطبيب خفّض لي جرعات السيبرالكس حتى أوقفه تمامًا بعد 6 أسابيع تقريبًا، لكن بصراحة، بعد زيارتي للطبيب أمس، غادرت من عنده وأنا غير مقتنع بكلامه، لأنه كان يتكلم بشكل عام، يقول إن هذا وسواس، وإن كل الناس تفكر في هذه الأمور، وإنك تذهب للعمل وتقوم بأنشطتك الحياتية.

تناقشت معه، لكن لم أقتنع بكلامه؛ لهذا السبب، لجأت لهذا الموقع، وأنا أعرفه تمامًا من سنة وأشعر بثقة كبيرة فيكم بعد الله، من خلال مشاهدتي لاستشارات بعض الإخوة، واقتناعي بتحليلكم وتشخيصكم.

أرجو من الله العلي القدير، ثم منكم، إيجاد حل لمشكلتي، وأنتظر ردكم وتوجيهكم، حتى وإن لزم الأمر تغيير الدواء إلى الأفضل مهما كانت تكلفته.

جزاكم الله خير الجزاء على هذا المجهود، وأسأل المولى عز وجل أن يوفقكم ويزيدكم من علمه لما فيه نفع للمسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن توجس الإنسان حول مظهره، نشاهده عند خمسة إلى عشرة بالمائة من الناس، وقد يصل الأمر لنحو اثنين بالمائة من الناس إلى مرحلة مرضية، بمعنى أن الإنسان يرى نفسه قبيحًا أو غير مقبول للآخرين، وهنالك من يتردد على جراحات التجميل بصورة منتظمة، وهذه مشكلة مرضية معروفة، وينتج عنها قطعًا اكتئاب نفسي ثانوي، وبعض من الوسوسة.

الأمر بدأ عندك منذ فترة مبكرة، وحين بلغت عمر الثامنة عشر ونسبة لتحسن إدراكك وتطورك الاجتماعي، وكذلك المعرفي؛ خفَّت حدة هذه الأعراض عندك، وهذا أمر طيب وجميل، بعدها دخلت في هذه الدائرة –دائرة الإحباط والوساوس والانشغال برأي الناس حولك– وهذه هي المشكلة الكبيرة.

أخي الكريم: أنت الآن -الحمد لله تعالى- إنسان، لك إيجابيات عظيمة جدًّا في حياتك، وإنجازات كثيرة، فلا تقلل من شأنك، هذا هو الأصل في الأمور.

الأمر الثاني: دائمًا كن مُحاطًا بالصالحين والطيبين من الناس، هؤلاء لا يستهزئون، هؤلاء لا يسخرون من أحد، هؤلاء تحس بالأمان والطيبة في وسطهم، وفي ذات الوقت كن دائمًا يدًا عُليا، شارك في الأعمال الاجتماعية، الثقافية، الخيرية، التواصل الأسري، الفعالية الاجتماعية؛ هذا يعطيك ثقة كبيرة جدًّا في نفسك.

الإنسان لا بد أن يميز نفسه بشيء ما، إما عن طريق أخلاقه أو أفعاله ومثابرته، وكلها تأتي تحت نطاق حسن الخلق، أما أن نحكم على شخص من خلال شكله أو مظهره فهذا أمر مردود ومرفوض.

حقّر هذه الفكرة تحقيرًا شديدًا، وفي الأصل العلة هي مرضية، الإنسان حين يشغل نفسه بشكله قبيحًا كان أو جميلاً كما يرى فهذا أمر مخل جدًّا.

هذا هو الذي أنصحك به، وأنا أرى أنك الحمد لله تعالى متوائم مع هذا الأمر لدرجة كبيرة.

بالنسبة للعلاجات الدوائية: أنا أرى أن عقار (لسترال) والذي يعرف علميًا باسم (سيرترالين) يُضاف له جرعة بسيطة من عقار (إيميسلبرايد) والذي يعرف باسم (سوليان) ستكون هي التركيبة الدوائية الأفضل بالنسبة لك، لكن ما دام بدأ الطبيب معك بالإفيكسر –وهو أيضًا دواء محترم– أعتقد أنه من المفترض أن تستمر على الإفيكسر وتعطيه الفرصة الكاملة، وترفع الجرعة تدريجيًا حتى تصل إلى مائة وخمسين مليجراما، أو حتى مائتي وخمسة وعشرين مليجرامًا في اليوم، أعتقد أن ذلك سوف يكون أفضل بالنسبة لك، لأن الإفيكسر أيضًا ذو فعالية عالية جدًّا.

فقط يجب أن تحتاط بأن تتناول هذا الدواء بانتظام، وبعد أن تتوقف منه، أو تكون هناك فرصة للتوقف منه يكون ذلك بالتدرج.

إذن تشاور مع طبيبك في هذا الخصوص حتى وإن لم تكن مقتنعًا بما قاله لك، إن شاء الله تعالى قناعاتك سوف تتحسن في الزيارات القادمة، وكما ذكرت لك توجد خيارات أخرى علاجية دوائية كثيرة، وعلى رأسها السيرترالين.

أما بالنسبة للإيميسلبرايد فيمكنك الآن إضافته حتى مع الإفيسكر بجرعة خمسين مليجرامًا يوميًا، ثم بعد أسبوعين اجعلها خمسين مليجرامًا صباحًا ومساءً لمدة ثلاثة أشهر مثلاً، ثم اجعلها خمسين مليجرامًا يوميًا لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله، لكن استمر في الدواء الآخر أيًّا كان الإفيكسر أو السيرترالين.

ممارسة الرياضة تعتبر إحدى الضروريات المكمّلة لأي علاج نفسي أو سلوكي؛ فقيمتها قد أُثبتت بما لا يدع مجالاً للشك في أنها تؤدي إلى الاسترخاء والتوازن النفسي، والشعور بالتعافي، وهذا غاية ما يبتغيه الإنسان.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً