الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعور بالاختناق وآلام مختلفة أثرت علي شخصياً واجتماعياً!

السؤال

السلام علكم ورحمة الله وبركاته

منذ فترة طويلة أعاني من أعراض مرهقة أثرت عليَّ شخصيًا واجتماعيًا، حيث أعاني من ضبابية في الرؤية، ودوار شديد، وشعور بالاختناق، وحرارة مفاجئة في الرأس مصحوبة بطنين في الأذنين، وصداع يشبه النغزات في الرأس من الجهتين اليمنى واليسرى، وأحيانًا في المنتصف، ولكن الجهة اليمنى هي الأكثر تضررًا.

بالإضافة إلى ذلك أعاني من شد في الرقبة والكتف، واحمرار في الوجه يتحول أحيانًا إلى اللون البنفسجي. والنسيان لديّ شديد، والتركيز في أسوأ حالاته، وصلتُ إلى مرحلة لا أستطيع فيها الجلوس في الأماكن العامة بسبب الإحراج الناتج عن عدم التركيز.

مزاجي متقلب بشكل ملحوظ ولا أستطيع السيطرة عليه؛ مما أدى إلى فقدان العديد من العلاقات، لا أستطيع التواصل مع أحد، ولا أتحمل أي تواصل إلَّا إذا كان متعلقًا بالعمل، وأنجز مهامي بصعوبة بالغة.

في العمل تتكرر معاناتي في التواصل؛ مما يؤثر على راحتي وشخصيتي وجودة عملي، أعرف في داخلي أنني لست كذلك، فأنا أحب العطاء وتقديم شيء للحياة، ولديّ أنشطة خاصة بسيطة، ولكن -للأسف- لا تأثير لها بسبب مزاجي المتقلب وفقدان أي فرصة لتكوين علاقات.

باختصار: لقد تعبت من هذه الحالة التي لازمتني طويلًا، وأشعر أنني إذا استمررت على هذا الحال فلن أستطيع بناء مستقبلي، شخصيتي مهزوزة، ومزاجي خارج عن السيطرة، والاختناق والدوخة والصداع وضبابية الرؤية ترهقني.

لا أعرف إن كنت قد وصلت إلى مرحلة الاكتئاب أم لا، ولكن حالتي النفسية متدهورة، ولم أفصح عنها لأحد من قبل، لقد انقطعت عن التواصل مع الجميع تقريبًا، إلا في حالات قليلة أجبر نفسي عليها، أشعر أنني في عزلة تامة عن التواصل الطبيعي مع الحياة بشكل عام، حتى مع أهلي، أصبح التواصل ضعيفًا للغاية من الناحية النفسية.

نصحني أحدهم بإجراء تحليل صورة دم، وقد فعلت، وكانت النتيجة ارتفاعًا في مستوى الهيموغلوبين: HCT 47.8 و HGB 17.3. هذه هي أهم النسب حسب اعتقادي.

لا أعرف ما هي الخطوة التالية، فكرت في إجراء تحليل فيتامين B12، وفيتامين D، ولكن طبيب الباطنية نصحني بعدم القيام بذلك، لا أعرف إن كان هذا الكلام صحيحًا أم لا، فقد قرأت على الإنترنت عن أعراض ارتفاع الهيموغلوبين، ووجدت تشعبات كثيرة.

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية.

كثيرًا ما تُصيبُ الناسَ أعراضٌ بسيطةٌ هنا وهناك، آلامٌ، ضيقٌ، اختناقاتٌ، شيءٌ من تعسُّرِ المزاجِ، وبعد ذلك يبدأُ الإنسانُ في تضخيمِ هذه الأعراضِ بصورةٍ غيرِ مقصودةٍ، وهذا يُدخِلُ الإنسانَ في حالةٍ من الشعورِ بالكدرِ المستمرِّ، وهذا قطعًا ينتهي بالاكتئابِ.

أنا أعتقدُ أنَّ هذا هو الذي تمرُّ بهِ، الأمرُ بدأَ بأعراضٍ جسديةٍ مخيفةٍ بعضَ الشيءِ، لكنها ليست خطيرةً، حالةُ الدوخةِ، النغزاتُ في الصدرِ، الإحساسُ بالحرارةِ، هذه قطعًا أدخلتكَ في شيءٍ من القلقِ، والقلقُ هو المسبِّبُ لها، فإذًا دخلتَ في هذه الحلقةِ المفرغةِ مما جعلَكَ تحسُّ بهذه الأحاسيسِ، و-إن شاء اللهُ تعالى- لا يوجدُ اكتئابٌ حقيقيٌّ، إنما هو عسرٌ في المزاجِ، وكما ذكرتُ لكَ هو نوعٌ من الكدرِ الناتجِ من عدمِ شعورِكَ بأنكَ في وضعٍ طيبٍ، أنتَ لا تحسُّ بأنكَ تعيشُ حياةً صحيةً، ولذا ذكرتها بصورةٍ جليةٍ، كأنكَ تحسُّ أنكَ في قوقعةٍ منعزلٍ عن التواصلِ الطبيعيِّ مع الحياةِ.

أيها الفاضلُ الكريمُ: من أهمِّ الأشياءِ التي يجبُ فعلُها أن يكونَ الإنسانُ فعالًا مهما كانت مشاعرُه، هذا هو الذي أنصحُكَ بهِ، وهذا أمرٌ أساسيٌّ، طاقاتُكَ محفوظةٌ، قوتُكَ النفسيةُ والجسديةُ موجودةٌ، لا أريدُكَ أبدًا أن تلبسَ ثوبَ المرضِ، لا، أنتَ في عنفوانِكَ ولديكَ قوتُكَ النفسيةُ والجسديةُ - إن شاء اللهُ تعالى- نظِّمْ وقتَكَ، ادفعْ نفسَكَ، لا تتخلَّ عن واجباتِكَ، تحلَّ بالعزيمةِ، ولا تقبلْ بالهوانِ، هذا -يا أخي- الذي يعيدُ للناسِ حياتَهم لتصبحَ كلُّها حيويةً ونشاطًا وفعاليةً، ودائمًا اسعَ لأن تكونَ نافعًا لنفسِكَ ولغيرِكَ.

الرياضةُ لا بدَّ أن تأخذَ حيزًا أساسيًا في حياتِكَ؛ فالرياضةُ اتضحَ الآن أنها تُفرزُ مادةً معينةً في الدماغِ، هذه المادةُ تُنشِّطُ الخلايا الدماغيةَ والعصبيةَ مما ينعكسُ إيجابًا على صحةِ الإنسانِ، وهي من مضاداتِ الاكتئابِ الرئيسيةِ، أكررُ - أخي عبد الله - الرياضةُ من مضاداتِ الاكتئابِ والقلقِ الرئيسيةِ، فلا تُفَوِّتْ على نفسِكَ هذه الفرصةَ.

وبالنسبةِ لفحوصاتِكَ: فحوصاتٌ ممتازةٌ، فإذا استطعتَ أن تحللَ فيتامينَ (د)، وفيتامينَ (ب12) هذا جيدٌ، وحللْ أيضًا هرمونَ الغدةِ الدرقيةِ، كلها فحوصاتٌ بسيطةٌ، وفي نفسِ النموذجِ الورقيِّ سوف يكتبُها لكَ الطبيبُ، وإذا كان هناك أيُّ نقصٍ للفيتاميناتِ فتعويضُها سهلٌ جدًّا، الأمرُ في غايةِ السهولةِ.

أنا أنصحُكَ بأن تتناولَ دواءً بسيطًا جدًّا، هو الـ (genprid - جنبريد) هذا منتجٌ سعوديٌّ رائعٌ، ويسمى علميًا (Sulpiride - سولبيريد)، ابدأْ في تناولِه بجرعةِ كبسولةٍ صباحًا ومساءً، وقوةُ الكبسولةِ خمسون مليجرامًا، تناولْها لمدةِ شهرينِ، ثم اجعلْها كبسولةً واحدةً في الصباحِ لمدةِ شهرينِ آخرينِ، ثم توقفْ عن تناولِ الدواءِ.

لا أعتقدُ أنكَ محتاجٌ لمضاداتِ اكتئابٍ، أنتَ محتاجٌ لمفاهيمَ إيجابيةٍ جديدةٍ تُسَيِّرُ بها حياتَكَ.

بارك اللهُ فيكَ، وجزاكَ اللهُ خيرًا، وباللهِ التوفيقُ والسدادُ.
_______________________________________________
انتهتْ إجابةُ د. محمد عبد العليم استشاريِّ أولِ الطبِّ النفسيِّ وطبِّ الإدمانِ.
وتليها إجابةُ د. محمد مازن استشاريِّ باطنيةٍ وكلى.
________________________________________________

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.
إنَّ أغلبَ الأعراضِ التي تعاني منها هي أعراضٌ لا نوعيةٍ، وتعودُ للحالةِ النفسيةِ التي تمرُّ بها، وإنَّ عيارَ الهيموغلوبينِ يعتبرُ في الحدودِ العليا للطبيعيِّ، لذلك لا داعي للقلقِ من النتيجةِ؛ فقط عليكَ اتباعُ نصائحِ طبيبِ النفسيةِ، ومحاولةُ الاسترخاءِ، وتجاهلُ الأمرِ.

واللهُ الموفقُ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً