الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي أعراض نفسية عديدة وأخشى أن أصاب بالجنون، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة لك ولإخواني في إسلام ويب، وكل التقدير لجهودكم.

أرجو أن تتفضلوا بإعطائي إجابة واضحة أو تشخيصًا لحالتي، وما أعاني منه، فثقتي بكم بعد الله كبيرة لما لمسته من موقعكم الرائع في إفادة الناس ومساعدتهم.

قصتي بدأت عندما كنت في فترة المراهقة، تحديدًا في الصف الثامن، حيث شعرت ببداية شبابي أني كنت أفتعل المشاكل مع طلاب في المدرسة.

كادت بعض هذه المشاكل أن تتسبب في فصلي من المدرسة، حتى إن الأمر وصل إلى رفع يدي على أستاذ في المدرسة، عندما كان يضربني ويتسلط عليّ بين زملائي.

لحسن الحظ، تدخل والدي المحبوب بين الناس في نفس مدرستي وحلّ مشكلتي، علمًا أن هذا الأستاذ كان زميلًا لوالدي، وقد سببت لوالدي الكثير من الإحراج في ذلك اليوم، وضربني والدي بعنف، وفي نفسي كنت أقول: "أستحق هذا الضرب".

في يوم من الأيام، كنت أحضر مباريات المصارعة مع مجموعة من أقاربي في مجلس العائلة، عندما كنت أشاهدها، كنت أشعر بإثارة شديدة، وفي إحدى المرات، ظهر مصارع عملاق وقوي، وكان الناس يتباهون بطوله ويشجعونه، وحينها شعرت بإثارة داخلية وقلت لنفسي: "أريد أن أكون مثله".

بدأت أحاول أن أسير منتصب القامة وقويًا، وأرفع صدري للأمام، وأظهر مظاهر القوة، حتى إني صرت أمشي على أطراف أصابعي لأبدو أطول وأقوى، لم يرحمني أحد حينها، وسخر مني زملائي في المدرسة وبعض المعلمين، وحتى أخواتي في بعض الأحيان بطريقة فكاهية، كانت أمي تقول لي: "لازم تمشي بشكل صحيح، ولما ترفع نفسك كم ستطول؟"، لكني لم أكن أفهم كلامها لأني كنت مراهقًا وأحب القوة.

بعد ذلك، انعزلت عن الناس وبدأت أهرب من المدرسة، إلى أن جلست في المنزل وأصبحت أتعلم ذاتيًا، كنت أذهب في آخر الفصل لأداء الامتحانات.

من هنا بدأ مرضي النفسي، ولكنني نجحت في جميع السنوات بفضل الله حتى وصلت إلى مرحلة التوجيهي، وحصلت على معدل 54.9، وفرحت حينها وأحسست بقيمة نفسي.

بعد مرضي النفسي، بدأت أتوهّم بأشياء كثيرة، ذهب والدي ووالدتي إلى طبيب نفسي، بل عدة أطباء نفسيين، ووصفوني بأوصاف كثيرة وأخذت أنواع أدوية عديدة، ولكنني لم أُشفَ من مرضي النفسي حتى اليوم، ولا أتخيل نفسي إنسانًا طبيعيًا يمارس حياته كما يفعل الآخرون.

قبل عامين من اليوم، كانت نفسيتي متعبة جدًا، وكنت أفكر كثيرًا، في يوم كنت ذاهبًا مع أخي لصديق له كان يعالج الناس كمرشد نفسي؛ لأنه مرّ بتجربة مماثلة وشُفي منها.

كنت متضايقًا جدًّا في مكان الناس مجتمعة فيه على أسفلت عام، فصرخت وقمت برمي نفسي على الأرض، وتجمع الناس حولي وظنوا أنني مصاب بمرض الصرع، قال أخي لبعض الرجال منهم أنني أعاني من مرض نفسي.

في يوم من الأيام، كان هناك تجمع للعائلة، وتذكرت هذا الموقف وقلت لنفسي: "لو فعلت عندهم مثل هذا الموقف، ستكون فضيحة". فتملكني خوف شديد وهلع وهربت من المكان، وتكرر هذا الموقف عدة مرات، بدأت أتجنب الجلوس مع الناس وأصبحت أتهرب من أي تجمعات.

قرأت عن حالتي في الإنترنت ووجدت أنها تُسمى بالرهاب الاجتماعي. استمرت معي هذه المشكلة لمدة عامين، أو ما يقارب ثلاثة أعوام، وهي أكثر مشكلة نفسية بقيت معي لوقت طويل مقارنة بمشاكلي السابقة.

أخشى أن تقضي عليّ هذه المشكلة النفسية وأن أقدم على الانتحار بسبب المعاناة اليومية، والله المستعان.

أيضًا تأتيني أفكار مثل أنني قد أُصاب بالجنون، وتقول لي نفسي: "أنتَ ضعيف وتحب الاستسلام، وممكن أن تُصاب بالجنون، وممكن أن تكون في مكان عام وتصرخ هكذا بلا مبرر، كل هذه الأفكار تُتعبني.

حتى مع والدي ووالدتي، أعاني منذ زمن من التلعثم في الكلام، وهذه مشكلة نفسية قديمة، كانت أمي تقول لي: "لماذا تبلع نصف الكلام؟" وكانت تقول: "تكلم بقلب قوي، أنت شاب ما شاء الله عليك".

ما زالت هذه المشكلة معي، فأتلعثم عندما أريد أن أتحدث بحرية مع الناس، حتى عندما أريد أن أشتري شيئًا من المحل، وينظر إليّ البائع بغرابة أحيانًا. وأحيانًا لعدم قدرتي على التحدث بحرية مع الناس، أجلس وأتكلم معهم في عقلي وكأنني أتحدث معهم بصوت مسموع، وهذا الشيء يُتعبني.

وأحيانًا أشعر أن الناس يقرؤون أفكاري، لأني أحس بفرحهم عندما أفكر بشيء جيد في عقلي، وبعد ذلك، بدأت أفكر كثيرًا وأتفلسف في عقلي وأخاف من كثرة التفكير لأنها تُرهق عقلي.

صرت أرى كل شيء من حولي تافهًا: طريقة أكل الناس وشربهم وتزاوجهم، نحن مخلوقون من عظم ولحم، وأستفهم عن أشياء كثيرة في الحياة، وأنه يوجد الكثير من الناس من أكون أنا واحدًا منهم، مجرد نسخة مكررة، ناس يفكرون مثلي، وطريقة ضحك البشر وطريقة حزنهم، وأستفهم عن السعادة والحزن. وكل يوم أستيقظ وأتساءل: ما فائدة الأيام؟ لماذا لم يجعلها الله يومًا واحدًا؟

وبصراحة، أستفهم عن كل شيء، مثل أن لي أبًا وأمًا وإخوة، وآكل مثل الحيوانات، ولماذا أستفهم عن الخلق؟ هل عقلي ناقص؟ لماذا أنظر إلى الأشياء هكذا؟ وكيف أمحو هذا التفكير عن طريق تبخيس الأشياء؟ أرهقني هذا التفكير الذي يأتيني في بعض الأحيان.

هذه قصتي ومعاناتي مع المرض النفسي، فأخبروني بتشخيص حالتي، وأستحلفكم بالله أن تقبلوا سؤالي هذا، وادعوا لي بالشفاء العاجل والتخلص من الرهاب الاجتماعي الذي ضايقني كثيرًا، وهل يوجد له علاج أم سيبقى معي؟ ويا رب أَدْخِل الفردوس الأعلى مَن يجيب على سؤالي هذا ويساعدني، ودمتم في أمان الله وحفظه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

بعد القراءة المتعمقة لاستشارتك، يتضح أن بداية مشكلتك تعود إلى فترة الطفولة، وهي مستمرة معك حتى الآن، وإن كانت قد تغيرت في أسلوب ظهورها أو الأعراض المصاحبة لها، وبناءً على ما ذكرتَه أستطيع القول إنك تعاني من صعوبات في الشخصية، ولا أُطلق عليها اضطرابًا كاملاً في الشخصية.

تتطلب حالتك مزيدًا من التقييم والمعرفة بالجوانب المختلفة لسلوكك وحياتك، ولكن بناءً على ما ورد في استشارتك، أؤكد أنك تعاني من صعوبات في الشخصية بدأت منذ صغرك، وتجلت في تعاملاتك مع التلاميذ والأستاذ، وإعجابك بالمصارع ومحاولة تقليده، ثم تأثرك بآراء الآخرين، أو الصعوبات في علاقاتك الاجتماعية، والتي تحولت أخيرًا إلى نوع من الرهاب الاجتماعي والعزلة الاجتماعية، ويصاحب ذلك بالطبع تلعثم في الكلام، مما يزيد من وطأة المشكلة.

المشكلة في جوهرها تتعلق بالشخصية، وتحتاج إلى علاج نفسي متخصص قد يستغرق بعض الوقت، فأنت تحتاج إلى التواصل مع معالج نفسي لحضور عدة جلسات، قد تمتد لفترة من الوقت – كما ذكرت – عدة أشهر.

من الضروري أن تجلس مع المعالج مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا لمدة خمسين دقيقة أو ساعة، ليتمكن من الاستماع إليك، وتوجيهك لما يجب عليك فعله خلال الأسبوع، ثم تراجع معه التقدم المحرز، ويقدم لك المزيد من النصائح والإرشادات.

وبهذا -إن شاء الله- سيحدث التغيير المطلوب في شخصيتك، ولكن الأمر يتطلب وقتًا ومثابرة، فلا تيأس، لا يوجد دواء محدد لعلاج هذه المشكلة، فالعلاج الأساسي يكمن في العلاج النفسي كما ذكرت.

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً