الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أني مُختلفٌ عن الناس وأعيش أحلام اليقظة، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ عمري 19 عامًا، أشعر أني مختلفٌ عن الناس، فأنا كثير التفكير، أفكِّر في كلِّ شيء، ومقتنعٌ وعلى يقينٍ بأني خُلِقْتُ لتأدية رسالةٍ ساميةٍ تُفيد البشرية جمعاء، فأحلامي ليس لها حدودٌ، وإن كانتْ مَثارَ سخرية، لكني أملك إيمانًا بالله ويقينًا بأني سأُحَقِّق هذه الأحلام، وكأني أرى ذلك اليوم. أحيانًا أتخيَّل أني وصلتُ إلى هذا الحلم، وأبدأ في تمثيل وتخيُّل أني حققتُه بالفعل.

بصراحة، أشعر أن الأشخاص الذين في عمري تافهون وأغبياء، فمعظم أحاديثهم فارغة، وليس لديهم أحلامٌ ولا طموحاتٌ ولا أهدافٌ. يجلسون في مكانٍ واحدٍ طوال اليوم يتحدثون عن أعراض الناس وأمورٍ تافهة، حتى إنني كرهتُ جلوسَ ومخالطةَ هذا النوع من الناس. فأنا أراهم فاشلين، وسوف أصبح مثلهم إذا جلستُ معهم.

طريقةُ تفكيري تعتمد على المنطق، وأسلوبُ تفكيري أسلوبٌ علميٌّ يعتمد على الأدلة المنطقية لإقناع عقلي بأيِّ شيءٍ، حتى في الدِّين؛ فإذا سمعتُ فتوىً عن شيءٍ محرمٍ أسأل نفسي: لماذا حرَّم الله كذا؟ ولماذا لم يُحلِّل كذا؟ دائمًا أسأل نفسي في كل شيء: لماذا؟ وكيف؟ ولِمَ لا؟ كأنَّ التفكير لديَّ غريزةٌ أريد أن أُشبعها ببعض الإجابات!

أحاول أن أُبَرِّر كلَّ شيءٍ يحدث لي بأدلةٍ منطقيةٍ يقتنع بها عقلي؛ لأنَّ عقلي لا يقتنع إلا بالمنطق؛ هذا أولاً.

ثانيًا: يلعب الخيالُ دورًا مهمًّا في حياتي، فأنا دائمًا أتخيَّل وأفكِّر في كلِّ شيء، أفكِّر وأنا آكل وأنا أشرب وأنا نائم وأنا أتحدَّث، وأحيانًا وأنا أتحدَّث أشعُر أني أتحدَّث بـ 10% فقط من تركيزي، والباقي أكون مُشَتَّتًا فيه؛ سواء في تخيُّلاتٍ أو أفكارٍ أو ألغازٍ لم أجد لها إجابةً بعدُ.

لا يهدأ عقلي عن التفكير، وعندي قدرةٌ على تحليل المواقف، وفَهْم التصرفات، مع أني لستُ من هواة علم النفس، فكلُّ هذا يحدث لا إراديًّا وسريعًا جدًّا، كأني أصبحتُ محترفًا في التحليل والتفكير والبرهنة من كثرة التفكير.

أشعر أن الأمر مبالغٌ فيه، فأنا أحلل كلَّ الأمور وأتخيل حلولًا وتوقعات.

ملخص السؤال:
شاب في فترة المراهقة يشعر بالاختلاف عن الآخرين، وينغمس في الآمال والطموحات حتى يشعر وكأنه يعيش فيها ويتصرف بناءً عليها. كما أنه يحاول تعليل كل شيء بسؤاله لنفسه: لماذا؟ وكيف؟ ولِمَ لا؟ ويسأل: ماذا أفعل بهذا الشعور؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ majhol حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- وردًا على استشارتك أقول:

لا شك أنك خُلقتَ لرسالة سامية، وهي عبادة الله تعالى، والتعبد له في كل حركاتك وسكناتك. يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، والمقصود بالعبادة هنا أوسع من مجرد الصلاة والصوم والحج وما شابه ذلك، بل يتعدى ليشمل كل تصرفات الإنسان، فيجب أن يجعلها لله وأن يحتسب الأجر عند الله عند القيام بأي عمل، حتى يكتب الله له الأجر.

استمع لقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، ويقول: (وفي بُضع أحدكم صدقة). قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). ويقول: (حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك لك فيها أجر).

قال معاذ بن جبل لأبي موسى رضي الله عنهما: (إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)، فانظر كيف جعل الشرع الأعمال اليومية الروتينية تنقلب إلى عبادة يؤجر عليها الإنسان، لكن بالنية التي يغرسها المسلم في قلبه.

كونك تحلم بمستقبل أفضل شيء طيب للغاية، ولكن لا بد أن تكون على يقين بأن الغايات التي تريد تحقيقها تبدأ بالرغبة، لكنها تحتاج إلى همة عالية، والعمل بالأسباب التي توصلك إليها. فمن أراد أن يكون طبيباً مثلاً، فلا بد أن يجتهد ويثابر في تحصيله العلمي، وأن يكون مستواه العلمي في المواد العلمية مرتفعاً، ومن ثم يدخل إلى كلية الطب، ويجتهد في التحصيل العلمي، وبهذا يتحقق الحلم. أما مجرد الخيال، فهيهات أن يصل الإنسان لما يحلم به.

احذر من وساوس الشيطان، وما قد ينفثه فيك من ازدراء للآخرين. فقولك إنك تشعر أن الأشخاص الذين في عمرك تافهون... إلخ، فيه خطورة. وإن كان بعضهم فعلاً تلاحظ عليه البساطة والسطحية، لكنه ربما يتنبه فيما بعد فيصبح صاحب همة عالية، وربما رأيناه في المستقبل صاحب مكانة مرموقة، فالعبرة بالخواتيم كما يقال.

إني أوافقك الرأي في أن بعض الشباب يقضون وقتاً طويلاً فيما يضرهم ولا ينفعهم، ويخوضون في أعراض الناس والغيبة والنميمة، وأوافقك في ترك الجلوس معهم في تلك المجالس، فإن الصاحب ساحب كما يقال. وعليك بمجالسة أهل العقول الراجحة، والهمم العالية الذين تستفيد منهم ديناً وعلماً وخلقاً، ويدلونك على الخير ويعينونك عليه.

قلت إن طريقة تفكيرك تعتمد على المنطق، وأسلوب تفكيرك أسلوبٌ علمي يعتمد على الأدلة المنطقية لإقناع عقلك بأي شيء. وهذا إن صح، فإنما يدل على ما حباك الله سبحانه من العقل، وهي نعمة عليك أن تشكر الله عليها.

معرفة الحكمة من تحليل الله لبعض الأشياء وتحريم الأخرى أمر جيد، ولكن لا بد أن تحذر كل الحذر من العقل، فإن بعض الأمور لا تُعقل علتها، وهنا يجب على المسلم التسليم لله تعالى والانقياد لأمره ونهيه. فمثلاً، العلة في تحريم الخمر معقولة، وهي إذهاب العقل وما يترتب على ذلك، وتحريم الزنى من أجل ألا تختلط الأنساب، وألا تتفشى الأمراض. لكن مثلاً، لماذا الحج في شهر ذي الحجة؟ ولماذا نرفع أيدينا عند التكبير للصلاة؟ وما شاكل ذلك، فهذه معانٍ غير معقولة، والواجب التسليم لحكمة الله تعالى.

التفكر والتخيل والتحليل حث عليه القرآن الكريم في أكثر من آية، وهو من إعمال العقل، لكن لا ينبغي أن يصل الأمر إلى درجة التشويش على فكرك وعقلك، بل اجعل لنفسك وقتاً للتفكر والتحليل، لأني أخشى أن يؤثر ذلك على تركيزك، فلا تقدر أن تركز على أمر ما بسبب ذلك التشويش.

أكْثِرْ من القراءة في كتب أهل العلم، والتي فيها إجابات لكثير من التساؤلات التي تبحث عنها، ولا تركن إلى عقلك وحده، خاصة في هذه المرحلة من عمرك.

لا شك أن العقل يحتاج إلى رياضة من أجل ألا يخمل نشاطه، وتدريب العقل على تحليل المواقف، وفهم التصرفات يكسبك خبرة طيبة، تجعلك تحسن التصرف مع من حولك، وهذه نعمة من الله عليك.

أوصيك بتوثيق صلتك بالله، وأن تجتهد في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من الأعمال الصالحة، وخاصة تلاوة القرآن الكريم، ومعرفة تفسيره الصحيح، ونوافل الصلاة والصوم، وما شاكل ذلك من الأعمال.

حافظ على أذكار اليوم والليلة، فكثرة الذكر تجلب الطمأنينة للقلب كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

ادع الله تعالى أن يرزقك الاستقامة، وأن يثبت قلبك على الحق، وأكثر من: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك).

نسأل الله تعالى لنا ولك الثبات والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً