الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أُكرهت على الزواج برجل لا أريده ولم أتقبله حتى الآن، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم

تزوجت رجلاً دون رضىً مني، وقد كان هذا تحت ضغط عائلتي، هو رجل ذو خلق ودين، لا ينقصه شيء سوى أنه لا يملك الهيئة التي أريدها كأي فتاة، جملته مرور الأيام في عيني، فصار لا بأس به، لكني أكره نفسي حين يلمسني، وأشعر بالذنب تجاهه.

غالبًا أسايره؛ لأنه لا ذنب له، لا أعلم إلى متى سأسايره، هل أنتظر عامًا وأطلب الطلاق، أم أن عقدي باطل من الأساس وأنا على ذنب كبير؟ هل أسايره؛ لأني خائفة من أن باب الرجوع مغلق، أو من غضبه إذا عرف بالأمر وامتنعت عنه، أم من حبي وغريزتي؟ لا أعلم أين أنا؟!

لدي اكتئاب شهري يرافق الحيض، والآن ومع اشتداد الضغط، أفكار الانتحار تلح علي، ولم تعد تعرف التوقيت، ذبل وجهي، ونحف جسدي، وكنت على شفا الموت، وتبت، وقلت إن الأمور ستتحسن، وإن إحساسي بسبب تحرشات الطفولة، وسأعالجه.

لم أستطع كره أمي وأبي، أو حتى الدعاء عليهم، لكن في كل ليلة لا أشعر بشيء سوى بالاضطهاد، والظلم، وأنه اغتصاب، وعلي الهروب منه بقتل نفسي، بعد أن قرأت مرة أن قتل النفس في مواقف كهذه يجوز!!

لقد أخبرته في بداية زواجنا بالقصة كلها، وأنني أكره أن يلمسني، أريد أن أشعر بالحب تجاهه حتى يخف الشعور، حتى بقصة التحرش أخبرته؛ لكنه اختار أن لا يفهم حتى ما هو التحرش وتجاهلني.

الآن ما حكم علاقتي به؟ هل يجوز الاستمرار مع فكرة طلب الطلاق بعد عام؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يُذهب عنك كل ضيق، ويصرف عنك كل همٍّ.

ونحن نشكر لك أولاً إنصافك لهذا الرجل (زوجك)، وذكرك لما فيه من جميل العشرة، وهذا الإنصاف دليل على اتزان وحسن خلق لديك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك صلاحًا، وأن ييسّر لك الخير ويُقدره لك.

ما توصلت إليه – أيتها البنت العزيزة – من أن مرور الأيام يُجمّل زوجك في عينك هو ما تدور عليه الوصايا والنصائح بالمحافظة على البيوت واستقرارها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يُخاطب الزوج: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إنْ كَرِهَ منها خُلقًا رضيَ منها آخر)، أي: لا يُبغض المؤمن زوجته المؤمنة، فإن فيها ما يُحبّ وإن كان فيها ما يكره.

كذلك الحال معك، فإن في زوجك بلا شك من الصفات ما يجعلك تُحبينه، وليست الحياة الزوجية قائمة على المحبة فقط، فإن رعاية الحقوق، وحُسن العشرة من أسباب دوام الحياة الزوجية، بل من أسباب جلب المحبة في مستقبل الأيام.

ما تُعانينه – أيتها البنت العزيزة – ربما يكون خللاً نفسيًّا لديك، فتكونين بحاجة إلى مراجعة الطبيب المختص لإعانتك بالدواء المناسب، فـ (ما أنزل الله داءً إلَّا وأنزل له دواء).

واضح – أيتها البنت العزيزة – بأن هذا الرجل يُريد لك الخير، يُحبُّك، حريصٌ عليك، ولهذا لم يلتفت إلى شيء ممَّا أخبرتِه ممَّا قد يكون سببًا لنفرته عنك، وليس تجاهلاً منه، ولكنّه تجاوز ذلك؛ لأنه لا يُريد أن يُكدّر علاقته بك، فينبغي أن تفهمي الأمور على هذا الوجه، وزواجك صحيح، وليس فيه أي شيء يدعو للقلق، وعلاقتُك به علاقة شرعية، وننصحك بالحفاظ على زوجك والاستمرار معه، ولكنّك إذا كنت تفكّرين في طلب الطلاق في المستقبل، فإن هذا لا يُؤثّر على صحة زواجك به ولا على مشروعية الاستمرار معه، ولا على حِلّ العلاقة به، فأنت زوجة له ما دام قد عقد عليك عقدًا شرعيًّا صحيحًا.

أمَّا ما يحاول الشيطان أن يُغريك به في الانتحار، فإنه بابُ هلاك، وإفسادٌ للدنيا والآخرة، فإن الانتحار من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، ولا يجوز بأي حالٍ من الأحوال، وما ذكرتِ بأنك قرأت بأنه يجوز في هذه الحال غير صحيح، فمن أعظم الذنوب التي يفعلها الإنسان أن يُزهق هذه الروح التي خلقها الله تعالى، وعقابُه ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنه يُعذّب بنفس الوسيلة التي قتل بها نفسه، يُعذّبُ في نار جهنم خالدًا مُخلدًا فيها أبدًا، كما ورد ذلك في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الانتحار في الحقيقة انتقال من معاناة قليلة إلى معاناة كثيرة، فمن عذابٍ يسير إلى عذاب كبير، فاحذري كل الحذر من أن يجرّك الشيطان للوقوع في هذا المنحى الخطر، واستعيذي بالله سبحانه وتعالى من وساوس الشيطان، ومن أفكاره، وإذا لم تطب لك الحياة مع هذا الرجل، فيجوز لك أن تطلبي الطلاق، ولكنّا لا ننصحك به.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُقدر لك الخير حيث كان، ويُرضّيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً