الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يذلني لأنه ليس لدي من ألجأ إليه في عائلتي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا متزوجة منذ ٣ سنوات، ولدي طفلان، زوجي دائمًا يجرحني، ويتلفظ بأسوأ الكلمات، ويسبني أنا وأهلي، ودائمًا يضربني، ويقول إن الله ذكر في القرآن ضرب المرأة، ويفضحني أمام الناس، ويقول إنني فاشلة في حياتي، وأنني قليلة الاستيعاب.

درست حتى الصف التاسع فقط، ثم تزوجت أكثر من مرة في حياتي، وهذا الشيء سبب كرهي لوالدي، فقد كان والدي قليل الحنان، ودائمًا يضربني أنا وإخواني، وكان يأخذ المهر والذهب في كل مرة، وأتطلق بعد أسبوع أو أسبوعين من الزواج.

بعد آخر زواج لي، اشترى والدي منزلًا بالمهر من مقدم ومؤخر، بعد ذلك تدهورت حياتي، وصرت أنظر إلى أبي على أنه ظالم، عندما قلت له: إنني لا أسامحه على ما فعل، صار يهددني بالقتل، حتى إنه كان يريد وضع سم الفئران في الأكل، وقال لي لكي تموتي على مهلك! اشتكيت عليه في الشرطة، وتم حبسه هو وأمي.

بعدها خرجت من البيت لكي أكمل حياتي، ورب العالمين هداني -والحمد لله-، وصرت أصلي، ودرست شريعة ، وحفظت ٣٠ حزبًا من القرآن الكريم.

أردت أن أتزوج رجلًا يكون سندًا لي، حتى تعرفت إلى زوجي الحالي، كان يكذب عليّ في فترة تعارفنا، وتزوجنا في ٣ أيام فقط، إلى الآن يقول إنني بنت ليل؛ لهذا تزوجته في هذه المدة، ويكرهني أنا وأهلي.

أعيش معه في الذل، وأنا نادمة على كل شيء، عرفت معنى الأهل عندما أنجبت أطفالًا، أريد أن أطلب الطلاق، ولكن أخاف من عقاب رب العالمين، هو يعرف أنني ليس لدي أحد ألجأ إليه؛ لهذا يستمر في تجريحي وإهانتي، أصبر فقط لأكون مع أولادي، الأول عمره سنة، والثاني شهر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، ونحيّي حرصك على المحافظة على بيتك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي زوجك، وأن يهديك، ويهدي أهلك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

لا شك أن التجربة التي مررت بها تجربة لا تخلو من الصعوبات، ولكن كلّ ذلك يهون إذا أصلحت ما بينك وبين رب الأرض والسماوات.

وليت الذي بيني وبينك عامرٌ ... وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هينٌ ... وكل الذي فوق التراب تراب

فكوني مع الله تبارك وتعالى، وأصلحي أمرك بينك وبين الله، واعلمي أن قلب الزوج وقلوب الوالدين، وقلوب الناس جميعًا بين إصبعين من أصابع الرحمن، يُقلِّبُها ويُصرِّفُها، وقد وعد ربُّنا العظيم من آمن وعمل بالصالحات بأن يُحبّهم الله، وبأنه سيجعل لهم وُدًّا، ثم يُلقي محبته في قلوب الناس، ففي الحديث: (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ)، وفي رواية: (فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} ).

ثم تمسكي بأولادك، واحرصي على حياتك، وإذا كنت -ولله الحمد- قد درست الشريعة، وحفظت هذا الجزء الكبير من كتاب ربنا العظيم؛ فلن يضرّك الكلام الذي يقوله هذا الزوج، ونتمنّى أيضًا تفادي الأسباب التي تُثير غضبه؛ حتى لا تتعرّضي للسباب والإساءة.

واجتهدي أيضًا في إصلاح ما بينك وبين أهلك، فاطلبي منهم العفو، وطي تلك الصفحات، واجتهدي دائمًا في التواصل مع العمّات والخالات وبقية الأهل؛ فإن وجود الأهل في حياتك له أهمية كبرى، بل هو من الأسباب التي تجعل الزوج يحترم زوجته، أن يشعر أن لها أعماماً وأخوالاً وإخواناً، يعني هؤلاء المحارم وجودهم في حياة الإنسان من الأهمية بمكان.

نحن قطعًا لا نوافق الزوج في الذي يقوم به، ولكن أيضًا نتمنّى أن تكوني منصفةً له، بحيث تذكرين ما عنده من الإيجابيات، ثم تضعينها إلى جوار ما فيه من السلبيات، ثم تتذكرين أن هذه الحياة لا تخلو من الصعاب، فإن هذه الدنيا:

جُبلت على كدر ونحن تريدها ... صفوًا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام فوق طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار

ونحن رجالاً ونساءً بشر، والنقص يُطاردنا، وطُوبى لمن تنغمر سيئاته القليلة في بحور حسناته، وإذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث، والإنسان يحتاج في حياته الأسرية أن يحتسب، وأن يصبر، وأن يوازن، وأن يكون واقعياً أيضاً؛ لأن الحياة لا تخلو – كما قلنا – من الصعاب.

فنسأل الله أن يُعينك على الخير، ويُعينك على تربية أولادك، وأن يُصلحهم لك؛ فإن في وجودهم أيضًا إحدى الضمانات المهمّة من أجل استمرار الأسر، واستمرارها وجود هؤلاء الأطفال، فاهتمّي بهم، وأحسني إليهم، ونسأل الله أن يُصلح الأحوال، ويُحقق لنا ولكم في طاعته الآمال.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً