الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أحفظ لساني وانفعالاتي وأمتنع عن قول ما لا ينبغي؟

السؤال

السلام عليكم

في البداية: أوجه شكري لموقعكم المبارك لما يقدمه من خدمة ونصائح قيمة، ولصبركم وتواصلكم معنا.

أنا بحمد الله أحاول جاهدة أن أمتنع عن كل الذنوب والمعاصي التي تغضب الله سبحانه وتعالى مهما كان نوعها، ولكن هناك بعض الصفات أو التصرفات التي أواجه صعوبة في منع نفسي عنها، رغم علمي بحرمتها وذمي لها في المطلق، منها:

الكلام الذي لا يرضي الله كالغيبة، ولا تكون مقصودة، وإنما أكون في مجلس ويزل لساني أحيانًا بقول شيء عن شخص، وأنا لا أضمر له الكره، أو أقصد غيبته. بعد أن أقع في الغيبة، أندم كثيرًا، وألوم نفسي، وأحاول أن أكفر عن ذنبي بالاستغفار له ولي، والدعاء له بأن يقضي الله له حاجته ومطلبه في الدنيا، ويهديه ويصلح أحواله.

ومن الأخطاء الأخرى التي لا زلت أحيانًا أقع بها هو: إفشاء بعض أسرار بيتي وزوجي، والشكاية عنه وعن أحواله، خصوصًا عندما أحدث أحدًا من أهلي أو أهله بغرض الفضفضة.

الآن بعدما تنبهت لمدى فداحة هذا السلوك؛ فإنني أحاول التوقف عنه، وحفظ لساني، لكن بحكم التعود أزل أحيانًا، فكيف أعود نفسي على حفظ لساني، وعدم البوح بكل ما في داخلي؟

وسؤالي الآخر: كيف أتحكم في انفعالاتي؟ فأنا أواجه مشكلتين داخل المنزل وخارجه.

بالنسبة لتعاملي مع الأشخاص المحيطين والقريبين مني، فأنا منفتحة جدًا وأتصرف بتلقائية كبيرة، وأشعر أن هذا أمر منتقد.

أما الأشخاص الذين لا أعرفهم، فأتصرف بتحفظ زائد وارتباك أحيانًا، فهل هذا يعد عقدة اجتماعية؟ أيضًا عندما أغضب، أقول وأفعل أشياء لا أريدها وأندم عليها مثل الكلام الجارح أو العنف، والتكسير والصراخ، فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

وبخصوص سؤالك أيتها المباركة؛ فإنا ابتداءً نحمد الله إليك أن وفقك لهذا السؤال، ونحمد الله إليك أن رزقك تلك النفس اللوامة التي تلومك على المعصية، وتحاسبك عليها، وإنا لنرجو الله كما وفقك للسؤال، أن يعينك على تجاوز تلك المشكلة، إنه جواد كريم.

أختنا الفاضلة: لا شك أن مخاطر اللسان عظيمة، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى مخاطره، وبين أن هذا الجرم الصغير الموجود في الفم جرمه عظيم، وأثره على الإنسان في حياته وبعد مماته أشد وأعظم.

أختنا الكريمة: نريد منك قراءة هذا الخبر الذي سنورده الآن أكثر من مرة: قال معاذ -رضي الله عنه-: (كنت مع النبي -صلى اللّه عليه وسلم- في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول اللّه أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره اللّه عليه: تعبد اللّه ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)[السجدة:16] حتى بلغ (يعملون)، ثم قال: ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول اللّه. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ -انتبهي أختنا الكريمة لكلمة النبي "ملاك ذلك كله"- قلت بلى يا رسول اللّه، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم).

هذا الحديث يظهر مدى أثر اللسان على حياة الإنسان ودينه؛ وعليه، فإن العلاج يكمن فيما يلي:

1- استحضار النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تحذر من آفات اللسان، ونوصيك بكتاب آفات على الطريق للدكتور محمد سيد نوح؛ فقد أجاد وأفاد في هذه النقطة كثيرًا.

2- الابتعاد عن المواطن التي ينفلت فيها اللسان، وأن تتخلفي عن لقاء فيه السلامة خير لك من أن تقعي فيما حرم الله تعالى.

3- ما لا تستطيعين التخلف عنه كلقاءات الأهل والأقارب اتبعي ما يلي:
أ- الحديث معهم عن مشكلة انفلات اللسان بالغيبة والنميمة، وأثر ذلك على قلب الإنسان، وأنه جالب لغضب الله تعالى، وأن كل من اغتبناهم خصماء لنا يوم القيامة، احشدي في هذا الباب كل ما قرأتيه؛ حتى يكون الجميع معاونًا لك على الاستقامة.
ب ـ يمكنك قراءة بعض الكتيبات معهم، أو وضع برنامج عملي يصرفكم عن الغيبة.
ج ـ إنزال عقوبة على كل من تغتاب أحدًا، وابدئي بنفسك.
د ـ إذا وقعت أو وقع أحد بعد ذلك، فلا بأس انهضوا من جديد مع الاستغفار لمن اغتبتم والصدقة عنه، والعزم على عدم العودة.

3- تعودي على رياضة: الصمت الطويل، وتذكري أن هذا من الأخلاق التي وجهنا إليها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عليك بُحسن الخلُق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده، ما تجمَّل الخلائق بمثلهما). وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تزال سالمًا ما سكتَّ، فإذا تكلَّمت كُتِبَ لك أو عليك).

4- التمهل قبل التلفظ بالكلام: الإنسان يملك قوله ما لم يخرج من فيه، فإن خرج ملكه، فاحرصي أيتها الفاضلة على التمهل والتفكير قبل الحديث.

5- الإكثار من التزود الإيماني، ومن الذكر، ومن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن اللسان إذا اعتاد الذكر انطبع عليه.

ثانيًا: بالنسبة لشق حديثك الآخر؛ فإننا نرى أن الانفتاح مورد للمهالك، وأن المرء يجب أن يضبط حياته بميزان الشرع، بلا إفراط ولا تفريط، وعليه فنرجو مراجعة كل انفتاح لديك، وعرضه على الكتاب والسنة.

المشاكل في كل بيت مسلم، ولن نجد أحدًا خاليًا من ذلك، وإذا أحسن المرء التعامل مع المشاكل استطاع أن يتعايش معها، ومن ذلك ما يلي:

أ- عدم تضخيم المشكلة أكبر مما هي عليه.

ب ـ الابتعاد عن لوازم المشاكل، بمعنى: إذا كانت المشكلة في مسألة ما مع زوجك، فلا تدخلي فيها ما كان قبل يوم أو شهر أو عام، ولا تبني عليها ما ليس منها، كل اللوازم هذه يجب التخلص منها.

ج ـ عدم معالجة المشكلة أثناء وقوعها، وذلك يكون بترحيلها إلى وقت آخر، والتدرب على ذلك أمر جيد.

دـ تعلم فن إدراة الغضب، وقد كتب في هذا المضمار كثير من الكتب، وأفضل من كتب من وجهة نظرنا هو أبو حامد الغزالي رحمه الله، ونحن هنا نجمل أهم ما ذكره في النقاط التالية:

1- التفكر في الأخبار التي تتحدث عن فضل كظم الغيظ والحلم وفوائد ذلك، وقراءة ما كان من سلف هذه الأمة في هذا الباب، ومن ذلك ما رواه مالك بن أوس بن الحدثان: غضب عمر على رجل، وأمر بضربه، فقلت: يا أمير المؤمنين، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فكان عمر يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فكان يتأمل في الآية، وكان وقافًا عند كتاب الله مهما تلي عليه، كثير التدبر فيه، فتدبر فيه، وخلى الرجل، وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل، ثم قرأ قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ}، فقال لغلامه: خلِّ عنه.

2- أن يخوف نفسه بعقاب الله، بأن يردد: قدرة الله عليَّ أعظم من قدرتي على من سأغضب عليه أو أنتصر منه.

3- أن يخوف نفسه بعواقب الغضب عليه في دنياه وآخرته.

4- أن يتذكر صورته أثناء الغضب، وأن يعلم أن كل قرار سيتخذه حتمًا سيكون ناقصًا.

5- أن يطبق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الغضب بأن يتعوذ أولا: أَعُوذُ بِاللَّهِ من الشيطان الرجيم، ثم يجلس إن كان قائمًا، أو يضطجع إن كان جالسًا، ثم يتوضأ بالماء أو يغتسل، فإن النار لا يطفئها إلا الماء، ثم يصلي ركعتين.

بهذا يستطيع مع الدعاء، والاستعانة بالله أن يتغلب على غضبه، نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً