الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توقفت عن التواصل مع أمي بسبب جفائها معي، فما الحل؟

السؤال

أنا امرأة مطلقة ولدي بنت، عشت في الغربة وطُلقت هناك، عانيت كثيرًا، وبقيت عند أمي وأخي.

أخي عمره 27 سنة، حالته الصحية جيدة، لكنه لا يعمل، أمي متقاعدة، لديها بيت، وتستلم قسطًا من تقاعد أبي، كنت أرسل لها المال؛ لأنها تطلب ذلك، لكني أشعر أن أمي لا تقتنع.

على سبيل المثال: جاء عيد الأضحى، أرسلت لها مثل كل شهر وزيادة، وأيضًا أرسلت لأخي، لم ينتهِ الشهر الذي أرسلت فيه حتى طلبت مني أن أرسل لأخي مرة أخرى بغرض السفر.

قلت لها إن لدي مصاريف ابنتي ودخولها المدرسي، جرحتني بقولها "لا تشكي لي خصوصياتك، قولي ما عندي، وانتهى".

أنا مجروحة، وأشعر أن أمي لا تحبني، تزوجت مرة أخرى، وحاول زوجي أن يتدخل، فقالت له: "يجب أن تساعدني على أخيها ليسافر خارج البلد"، قالت أيضًا: هناك أبناء أخذت أهلهم للحج، وأنها ليست راضية عني، وقالت "حسبي الله ونعم الوكيل فيك" قالت له أيضًا: "لتحتفظ بفلوسها، لا أريد شيئًا بعد"، جرحتني، وانتظرت أن تسأل عني، وتطيب خاطري، لكنها لم تسأل أبدًا، أخي أيضًا جرحني، أشعر أنها تحملني أكثر من طاقتي، ولا تفكر بي أنا كبنتها المغتربة.

أحسست بالضرر كثيرًا، لا أخفيك أنني أرسلت لها رسالتين بعد ما حدث هذا المشكل، لكنها لم ترد عليهما، من وقتها لم أرغب في الإرسال من جديد بسبب الضرر الذي تضررت به، كلما حاولت أن أتكلم، تأتي بأشياء لم أقلها، أو تدعي أشياء لم أقصدها، فما رأيكم بذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نسرين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك، وبخصوص ما تفضلت به، فاعلمي بارك الله فيك ما يلي:

أولاً: أمك تحبك كحبك أنت لابنتك، هذه فطرة الله، انظري إلى ابنتك الساعة، وإلى حنينك لها، كذلك هي أمك، وربما أشد؛ لأنك مغتربة عنها، وابنتك في جوارك.

ثانيًا: البر بالأمهات ليس عوضاً عن شيء، بمعنى أن الله أوجب عليك برها، أحسنت إليك أم لم تحسن، بل وضع الله آية في كتابه تعد دستوراً في العلاقة بين الوالدين، قال الله: (وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ)، فانظري -بارك الله فيك- إلى هذه الآية، الله يتحدث عن الشرك به وهو أعظم الذنوب وأشدها، ويخاطبك بقوله: لو دعتك أمك إلى الشرك بي، فلا تجب طاعتها، ولكن عليك مصاحبتها وبرها، حتى وهي تجرك إلى الكفر؟ نعم، هذا قضاء الله المحكم، وتلك إرادته سبحانه وتعالى، وعلينا التنفيذ، وتذكري -أختنا- أن الأجر محفوظ للبار في الدنيا والآخرة، فالبر إرث كما أن العقوق كذلك، من بر أهله بره أبناؤه، ومن عق وجد ذلك في دنياه فاحذري.

ثالثا: أختنا الكريمة: أحيانًا لا ندرك -لبعدنا عن أهلنا- كم المعاناة التي يعانون منها، وكم الصعوبات التي يواجهونها، وحتى إذا حكت الأم لابنتها بعض ذلك، فلن نستشعر آلامهم وأحزانهم، وعليه، فلا نود أن تفتحي باب الشيطان الذي أوهمك بأن محبة أمك لك قد قلت، أو الجرح الذي أصابك منها لن يبرأ، هذه أماني الشيطان، فاستعيذي بالله من ذلك، واعلمي أن الألم الذي أصابك أصاب أمك أضعافه، فلا تظني أن ابتعادك عنها يسير، ولا عدم حديثك معها سهل، فالله يعلم ما تعانيه هي مما لا تعلمينه، وهي عندك اليوم، وغداً راحلة، فافعلي -أختنا- ما يرضي الله براً بها وصلةً، قبل أن يأتي يوم لا يصلح معه الندم.

رابعا: أختنا: اليوم يدك هي العالية، وأمك اليوم تحتاج إلى هذه المبالغ التي ترسلينها، فلا تجمعي عليها تعب ابتعادك عنها، وذل ما هي عليه، لا تقولي قد راسلتها فلم ترد؟ راسليها كل يوم حتى ترد! اجتهدي في إرضائها كل يوم حتى ترضى، لا تعاتبيها، ولا تحاولي أن تظهريها مخطئةً في حقك، بل قولي لها: أنا المخطئة، وإن لم تكوني كذلك؛ براً بها وصلةً.

خامسًا: لا نود أن تدخلي زوجك فيما بينك وبين والدتك؛ فإن هذا مؤلم للأم ألماً شديداً، اجعلي التواصل معها دائماً، ولا تقطعي ما كنت ترسلينه لها، واعلمي أن هذا منك أجره عند الله عظيم، فلا تظني أن أي مبلغ ترسلينه لا يدخر لك عند الله.

سادسًا: إذا طلبت منك ما لا تقدري عليه، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، اجتهدي أن تبذلي ما عليك بالمعروف، ولا تقطعي عطاءً كنت ترسلينه، واعلمي أن الله يبارك في أهلك وأولادك بقدر ما تنفقين وتبذلين، وقد أقسم نبينا -صلى الله عليه وسلم-:"أن المال لا تنقصه الصدقة".

وختاماً: نود منك الآن، أن تتصلي بها، وأن تعتذري منها، فما تدرين هل هي صحيحة أم مريضة؟ هل هي سعيدة أم حزينة؟ كوني بلسم العافية لها، افعلي ذلك الآن وستجدين -والله- الخير في حياتك.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً