الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مستنقع الإباحيات جعلني أرى كل الطرق أمامي مغلقة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب مدمن على العادة السرية، والأفلام الإباحية منذ سن العاشرة، وأنا الآن في الواحد والعشرين من عمري.

أصبحت غارقًا في مستنقع قذر من التشاؤم، والوسواس القهري بسبب الشبهات؛ لأني كنت متابعًا لشخصٍ اغتررت به على اليوتيوب، حتى علمت أنه كاذب يروج للفلسفة التي أعتبرها الآن طريقًا نحو جهنم.

ترعرعت في بيئة صعبة بين أشخاص نرجسيين، ومرضى نفسيًّا، وكنت معظم الوقت منعزلًا عن الناس ومدمنًا على الألعاب، ولكنني كنت من الأوائل في المدرسة رغم الفقر، ثم بعد البلوغ تدهورت الأمور، وصرتُ أتعرض للرسوب، ثم الطرد، فقد كنت كثير الغش والكذب، وكنت بارعًا في الغش مع علمي بأنه حرام، ولم أتوقع أن من يغش سيحصل على راتب حرام؛ لأنه في آخر سنة تولى صديقي الامتحان بدلًا عني، وبالتالي أصبحتْ شهادتي مزورة.

تركت الدراسة منذ ثلاث سنوات؛ ممَّا أثر ذلك نفسيًا عليّ أكثر بسبب عزلتي عن أصدقائي، وأصبحت متشائمًا وعديم الشغف للتعلم، وأعاني من الوسواس القهري بسبب تدمير مركز مادة الدوبامين في الدماغ، وأصابني رهاب اجتماعي.

أصبحتُ مملًّا، وأريد ترك هذه العادات، وأريد أن أبدأ حياة جديدة، لكن جميع الطرق مغلقة أمامي.

أشعر بألم كبير عندما أرى أصدقائي الذين كانوا معي حصلوا على شهادات عليا، وأصبحوا موظفين، ولديهم أعمالهم، بينما أنا كنت متفوقًا عليهم، وشاء قدر الله التعرض لهذا الحال الذي لا أرتاح له.

أصبحتْ متابعة الدراسة حرامًا؛ لأنه لا يجوز تقديم شهادة مزورة؛ لأنها تعتبر كذبًا وغشًّا، وكنت دائم البحث عن فتوى تحلل لي الأمر، لكن عندما قرأت حديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) تركت الموضوع، ومع ذلك لم أتمكن من إيجاد خطوة للتعافي، فكما تعلمون بدون شهادة يُعتبر الشخص فاشلًا، والتجارة لا تليق بي بسبب الصفات التي اكتسبتها.

أريد الآن التعافي، لكن ما الحل حسب خبرتكم؟ كلما حاولت ترك الإدمان يبدأ الوسواس، فأعود خوفًا من الأفكار؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به، فإننا نريد ابتداء أن نحصر مشكلتك:

بالنظر إلى رسالتك: فإن مشكلتك تتفرع عما يلي:
- إدمان العادة السرية.
-الرهاب الاجتماعي.
-التشاؤم.
-الدراسة.
- التجارة.

أخي الكريم: هذه المشاكل لها علاج وحل -بإذن الله تعالى- لكن هذه الحلول لا بد لها من شرطين:
أولاً: وجود العزيمة القوية عندك للتغير والبدء دون توقف، وإذا عزمت فتوكل على الله.
ثانيًا: الانتباه لمكايد الشيطان ووسائله، فلن يسلمك لغايتك، ولا لطريق خير ينتشلك من الدرك الآثم الذي وقعت فيه، فإن الشيطان لك عدو، فاحذر عدوّك الشيطان، ولا تتبع خطواته.

نحن نقول لك: مهمتنا ستكون محدودة، ربما لا تتجاوز الخمسين في المائة، أمَّا عزيمتك وانتباهك لمكائد الشيطان، والسير على الخطة التي سنضعها معاً هي مهمتك أنت ودورك أنت، وهي من ستضع لك النتيجة الفاصلة، لا بد أن تعي هذا أخي الكريم.

وصف الدواء من الطبيب لا يعقبه الشفاء إلَّا إذا حافظ المريض على موعد الدواء، وانتبه له حتى انتهاء الجرعة الأخيرة منه، وبالطبع كل هذا بقدر الله تعالى، فالشافي هو الله، لكن هذه هي الأسباب التي وضعها الله في الكون، من أخذ بها سلم، ومن لم يأخذ بها ندم.

أخي الكريم: دعنا نبدأ معك بأحد أساليب الشيطان معك:
حين أوهمك الشيطان أن التغيير أمر محال، وأنك متى ما قررت التخلص من تلك الحياة المؤلمة فلن تجد الطريق الصحيح، أوهمك بذلك حتى قلت:(أريد ترك هذه العادات، وأريد أن أبدأ حياة جديدة، لكن جميع الطرق مغلقة أمامي)، وهذا وهمٌ من زرع الشيطان فيك؛ وذلك ليضعف قابلية التغيير عندك، والحق هو أنك قادر على التحسُّن، وعندك من القدرات العقلية والنفسية ما يجعلك أفضل أقرانك، أو على الأقل من أفضلهم، لكن نعود فنقول: الهزيمة النفسية التي أرادها الشيطان هو أن يوهمك أنها حقيقة، فاستجبت لهذا، وضعفت لديك همتك، وتراجعت مع أول عقبة واجهتك.

أخي الكريم: قد مضى شوط كبير في طريق الضلال، فأنت تنحدر منذ فترة، وحتمًا إذا أردت العودة فلا بد أن تصعد من جديد، والصعود (أُخَيَّ) ليس كالهبوط، والصعود يحتاج إلى همة وعزيمة، ويحتاج إلى خطة مدروسة، وليس الصعود إلى المراتب العليا بالتمنّي، ولكنه بالاجتهاد في العمل، ونحن سنعطيك الخطة، وسنتابع سيرك حتى تصل إلى بر الأمان سالمًا إن شاء الله.

لماذا نقول لك ذلك؟ نقول ذلك لأن البعض يعتقد أنه بمجرد إعلان التوبة لله والمحافظة على الصلاة أن كل شيء في حياته سيتغير، ولذلك عند أول خطوة للصعود وشعوره بالتعب يبدأ -والعياذ بالله- في الانتكاسة، فيكون الانحدار والتردي أشد وأقسى، ولو علم أن التوبة تجب ما قبلها من الذنوب، وأن الله برحمته يغفر له ما وقع فيه من معاص، وأن عليه أن يرتقي ويبدأ، والله سيعينه في كل مرحلة من مراحل صعوده؛ لاستعدَّ (أُخَيَّ) واجتهد، وأخذ بزمام المبادرة، وتوكل على الحي الذي لا يموت.

أخي الكريم: دعنا نكتب لك علاج المشاكل في نقاط محددة:

1- الإيمان بأنك قادر على التغيير، والبدء والمبادرة، وعدم التسويف؛ فإن للنفس إقبالًا وإدبارًا، فمتى ما استغللت فرصة إقبالها على الله كانت لك أطوع.

2- إعلان التوبة لله عز وجل، والمحافظة على صلواتك في المسجد مع النوافل.

3- المحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم.

4- شحن النفس سلبيًّا تجاه العادة السرية، وأنها لا يمكن مصاحبتها؛ لأنها إناء كلما شربت منه ازددت عطشًا، واتخاذ كل الأسباب التي تمنعك من الوقوع فيها كالرياضة والابتعاد عن الفراغ، وكذلك الابتعاد عن الجلوس وحدك لفترة طويلة، مع عدم الذهاب للنوم إلَّا وأنت مرهق تماماً، ويمكنك أن تدخل على موقعنا لتأخذ ببعض الإرشادات في ذلك.

أخي الكريم: ما مضى من توبة وتقرب إلى الله هو عامل إيجابي في تحسُّن حالتك النفسية، وهو عامل إيجابي كذلك في التعامل مع بقية المشكلات التي سَنُورد لك خطة حلِّها، لذلك لن نكرر ما قلناه من الإقبال على الله، والتحصُّن بالذكر، لكن اعلم أنه قسيم لكل ما سيأتي.

ثانيًا: المشكلة الثانية والثالثة -وهي الرهاب الاجتماعي والتشاؤم- طريق علاجها واحد، متى عالجت الأول فتحت لك بوراق الأمل للطريق إلى الحياة الجدية، ولذلك علاج الأمرين سيكون بما يلي:

1- إنشاء صحبة لك آمنة، ويمكن أن تبدأ بأهل المسجد أو بالصالحين من أهلك.
2- عدم تحقير نفسك أمام نفسك، أو الاستهزاء بها.
3- الابتعاد عن الحساسية المفرطة في الحديث مع الناس، وحمل الكلام على أفضل محامله.
4- تجنب النقد للغير، أو ازدراء أحد.
5- لا تأخذ نقد غيرك لك على صوابه دائمًا، حتى تفكر فيه ثم ترى ما كان فيه من صواب أخذته، وما كان فيه من خطأ أغفلته.
6- أكثر من الحديث مع أبويك وإخوانك وأخواتك.
7- تعامل بإيجابية مع الأحداث، وابتعد عن تراكم الأخطاء فوق رأسك، فقد أخطأت لكن هذا لا يعني نهاية الطريق، فلا زلت شابًّا والطريق أمامك مفتوحًا، ولأن تأتيَ متأخرًا أفضل من ألَّا تأتي مطلقًا.

ثالثًا: قد أخذت الثانوية -على ما فهمنا- بالغش، ولذلك لا تريد أن تدخل الجامعة؛ لأن ما بني على باطل فهو باطل، وعملك سيكون محرمًا، ومثل هذا الكلام، ونحن نقول لك: دعك من هذا التصور الخطأ، فالجامعة وإن كانت بُنيت على شهادة ثانوية بالغش إلَّا أنها دراسة منفصلة عنها، ولذلك ستتعب قليلاً، وتتأخر قليلًا عن أقرانك؛ لأن هناك بعض المعلومات التراكمية، وهذا التعب يُعوَّض ما أخطأت فيه مع التوبة، ولذلك نحن ندعوك إلى إتمام دراستك، على أن تجتهد فيها، وتحصَّل على الدرجة الواقعية دون غش أو تزوير، وساعتها سيكون عملك حلالًا.

رابعًا: التجارة أمر جيد؛ لكنها تحتاج إلى خبرة واستشارة أهل التخصص، ونحن نراها الآن مرحلة متقدمة لك، ولذلك نرى أن تتأخر لما بعد انتهاء دراستك، لكن ممكن أن تعمل لبضع ساعات بأجرٍ معيَّنٍ يُعينك على الدراسة، ويزيدُ من خبرتك في الحياة.

أخيراً: قدراتك العقلية جيدة، لكنك قد تجد بعض الصعوبة في الدراسة، نظرًا لتعطيلك ملكات عقلك منذ فترة؛ لذلك عليك أن تصبر، وألَّا تيأس، كما عليك ألَّا تُنظر إلى من سبقك، بل انظر إلى من تركتهم أسفل المنحدر، وأنت صاعد كل اليوم إلى الأمل من جديد، ويكفيك (يا أخي) أنه لم يمر عليك يوم إلَّا وأنت تصعد سالمًا إلى ربك ومولاك.

هذه هي الخطة -بإذن الله تعالى- وننتظر منك الهمَّة والصبر والعمل، وحتمًا ستواجهك عقبات لا تتوقف عندها، واعلم أنك مُعانٌ من الله تعالى، وإذا تعثرت قدمك فانهض ثانية وتوكل على الله، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا وقفت أمامك عقبة فراسلنا فورًا، ونحن بجانبك بإذن الله تعالى.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يُقدِّر لك الخير، إنه جواد كريم. والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً