الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي يعارضون محاولاتي لحثي أخواتي على اللباس الشرعي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً على هذا الموقع النافع، وجهودكم الطيبة.

أنا شاب عشريني، وحالياً نسكن أنا وأختي لوحدنا في بلد من بلاد الشام (بلدنا الأم) لاستكمال دراستنا الجامعية بعد الغربة مع أهلنا في أحد الدول الخليجية.

أنا من عائلة ليست قريبة من الدين بشكل جيد، أبي لا يصلي، وأمي تصلي، وتقوم بالفروض -الحمد لله-، ولكن لا تلبس اللبس الشرعي، ولديها عقدة من الحجاب بعد إجبارها عليه في صغرها، وتكرهه كما قالت، أنا البكر ولدى أختان، الأولى هي التي تسكن معي وأصغر مني بسنتين، والتي تليها أصغر مني ب 8 سنوات.

المشكلة باختصار هي التأثير السلبي لأهلي، أختي عندما أقنعتها بالحجاب كان اتفاقي معها بأن تكون أول سنة تدريجياً -وبالمناسبة لم يعجب الأمر أهلي-، وتلبس الحجاب على بنطالها، وبعدها ستلبس اللبس الفضفاض الساتر كالعباءة وغيرها، وكان عمرها وقتها 16-17 سنة.

أمي للأسف رمت سمومها، وأفشلت هذا الاتفاق، وعند كل حديث لي مع أختي تقوم وتتدخل، وتقول: (إذا ما أعجبك هذا اللبس سأجعلها تخلع الحجاب)، وهو ما سبب لأختي اعتيادها على هذه الكلمة.

مرت السنوات، وذهبت لدراستي الجامعية، وابتعدت عنهم، ولكن بقيت أحثهم على جعلها تلبس اللبس الساتر عبر الهاتف، ولكن بلا فائدة.

قدمت أختي قبل سنة للأردن، وكان أهلي قد زرعوا في رأسها الخوف مني، ووصل الأمر إلى أن أبي كان يريد أن يجعلها تسكن لوحدها (ولكن الحمد لله يسر الله تعالى الأسباب، وجعلها تسكن معي)، وكان السبب الذي زرعوه برأسها (أنت متشدد، وستخنقها)!

حاورت أختي بعد فترة -والحمد لله- استجابت، وعرضت عليها مبلغًا ماليًا ممتازًا (700 دولار)، وكان من مدخراتي وتعبي، فقبلت في بداية الأمر، واشترت بعض القطع الساترة، وأصبحت تلبسها، وهنا كانت فرحتي لا توصف.

وكالعادة قام أقربائي بإكمال مسيرة أهلي المشرفة، ولعبوا برأس أختي وأثنوها عن هذا اللباس!

باختصار شديد أنا أسكن معها منذ سنة، وطبعاً أنا لا أمشي معها في الشارع بهذا اللباس.

خلال هذه السنة المشاكل لم تهدأ، وكل فترة هناك مشكلة بسبب عنادها وكبرها هي وأهلها، وصلت بهم الأنانية أن لا يراعوا مشاعري حتى عند طلبي منها أن تلبس لباساً ساتراً وهي معي!

أبي ليس له دور، وأنا مصدوم منه بعد أن علمني بعض الغيرة في صغري، وأنا مصدوم من أمي كذلك بسبب معاندتها للدين والحق، وأختي تتمرد على كلامي.

سؤالي هو: ما العمل؟ وماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: نشكر لك -أيها الحبيب- حرصك البالغ على استقامة أختك، والتزامها بالحجاب الشرعي، وهذا من حُسن إسلامك وتمام رجولتك، ومروءتك، ونسأل الله تعالى أن ييسّر لك إصلاح نفسك، ودعوة أهلك إلى الخير.

ونوصيك -أيها الحبيب- بأن تستمر فيما أنت فيه من الدعوة والتذكير والنصح، مستعملاً في ذلك أرفق الأساليب، فـ(إن الرفق ما كان في شيءٍ إلَّا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلَّا شانه).

وقد أحسنت -أيها الحبيب- حين أحسنت إلى أختك الإحسان المادي، فإن هذا من توفيق الله تعالى لك، فالنفوس مجبولة على حب مَن أحسن إليها، فاستمر على هذا الأسلوب، حاول أن تُحسن إلى أختك بالكلمة الطيبة، والإحسان المادي من الهدية ونحوها، حاول أن تُبيّن لها عواقب التزامها بالحجاب، وأنها بذلك تكبر في عيون الناس، وقبل ذلك يرضى عنها ربُّها الذي بيده سعادتُها.

بيِّن لها برفقٍ ولين ثمار هذه الطاعة والفوائد التي تجنيها عندما تلتزم بالحجاب الشرعي، وفي المقابل عواقب المعصية، وحاول أن تُؤثّر عليها بإسماعها بعض المواعظ التي تتحدث عن الحجاب وآثاره وأهميته، وحاول أيضًا أن تربطها بالأسر التي فيها بنات صالحات ونساء طيبات من أقاربكم ومن غير أقاربكم، فإن الإنسان يتأثّر بجلسائه وأصدقائه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المرء على دين خليله).

هذا كله -أيها الحبيب- من الدعوة إلى الخير، وأولى الناس بالمعروف والإحسان أقاربك وأهلُك، لا تيأس فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبُها كيف يشاء، وقد أنجزتَ إنجازًا طيبًا حين أقنعت أختك بأن تلبس الحجاب، وتغطي رأسها كما فهمنا من كلامك، وإن بقي التزامها ناقصًا، حيث تلبس الملابس الضيقة، ولكنّها بلا شك مرحلة جيدة، قطعتها أنت في سبيل تحقيق هدفك من التزامها بالحجاب.

فاستمر على ما أنت عليه، مخلصًا بعملك، مُريدًا به وجه الله تعالى، وسيُكلِّلُ الله تعالى عملك بالنجاح والتوفيق، وعلى فرض أن أختك لم تستجب لكل ما تدعوها إليه، وأصرَّت على ما هي عليه، فإنك تكون قد أبرأتَ ذمّتك، وأدّيت ما عليك، وكما قال الشاعر:
للمرء أن يسعى إلى الخير جهده ... وليس عليه أن تتم المقاصد

أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يُوفقك لكل خير، ويجعلك مفتاحًا له.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً