الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اتفقت مع زوجتي على الالتزام بأمور لكنها خالفتها، فهل أطلقها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا بعمر 30 عاماً، خطبت ابنة عمي وهي بعمر 23 عاماً، وفي الرؤية الشرعية اتفقت معها على مواصفات الحجاب الشرعي، وعدم وضع المكياج وغيره خارج البيت، ولا نشاهد الأفلام والمسلسلات والأغاني، ولا تحتفظ بقنواتها، وعلى عدم مصافحة الرجال، ووافقت ورضيت بذلك، وتم الزواج، وتزوجنا منذ شهرين.

هي تصلي، ولكنها بدأت باختلاق المشاكل من أجل وضع الكريم والمكياج الخفيف، وتنزيل قنوات الأفلام وغيرها، وعظتها بلين وحب، وبينت لها أضرار وحرمة هذه الأشياء، فأصرت، فهجرتها، فلم يفلح ذلك معها، حتى حدثت مشكلة وطال لسانها علي.

أخبرت والديها، فأعطوها الحق بحجة أنني أضيق عليها، وأخبروا بقية عمومتنا ليحضروا ويحكموا بيننا، فأعطوني الحق في المشكلة، وطلبوا مني عدم التضييق عليها في وضع الكريم والقنوات، وطلبوا مني تنزيل القنوات وعدم تشغيلها في حضوري.

لما وصل الأمر إلى الطلاق نزلت بعض القنوات، ولم أوافق على وضع الكريم أو المكياج الخفيف، وحدث مشكلة والتي نحن فيها الآن، وتركت البيت، وهي عند أهلها منذ شهر، وهي مخطئة حسب قول من حكموا بيننا من الأعمام، ولكنها وأهلها اشترطوا تنزيل جميع قنوات الأفلام والمسلسلات، ووضع الكريم والمكياج الخفيف حسب قولهم، وإلا لن ترجع.

أنا أرفض ذلك، وأغار على زوجتي أن يراها أحد هكذا، وغيرتي عليها أشد في جانب القنوات المذكورة، لما فيها مما يغلب عليه جانب الحرام؟ وأتمنى الموت وألا يحدث هذا.

أريد تطليقها، ولكن القانون في صفها، ستأخذ كل شيء، ولها مؤخر وقيمة الأثاث كبيرة جداً، وأنا أخاف على نفسي من الحرام لو طلقتها، خصوصاً في هذا الزمن الذي كثرت فيه مضلات الفتن، وليس لدي المال، وأحتاج لسنوات طويلة بعد الطلاق حتى أجمع المال وأتزوج به، ومجتمعنا لديهم ثقافة سيئة حول الزوج المطلق، يعني فرصي قليلة، فهل إذا وافقت لهم على ما يريدونه برغم كرهي له، وصبري عليها مع نصحي لها من حين لآخر حتى يهديها الله، أو يرزقني بمال أستطيع الزواج منه وأطلقها، هل تبرأ ذمتي أمام الله؟

خاصة: وأني فعلت ما أستطيع من وعظ وهجر وحتى وصل الأمر للطلاق، وهي لم ترجع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يصلحك، وأن يبارك فيك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، إنه جواد كريم.

أخي: لا شك أن ما طلبته من زوجتك هو حق شرعي خالص لك، وأن موافقتها عليه من البداية هو شرط ملزم لها، لكن ما ندري كيف كان الأسلوب، كما أننا لا ندري أيضاً كيف هي حياتها، وهل جعلت لها بدائل تغنيها عن ذلك أم لا؟ فلا يخفاك أن منهج القرآن أن يفتح باباً في الحلال عند غلق الباب المحرم، فحرم الزنا وأحل الزواج، وحرم الربا وأحل البيع، بهذا المنهج تتزن الحياة وتستقيم، ولذا نرجو منك ما يلي:

أولاً: إننا متفقون معك على عدم جواز وضع المكياج والخروج به أمام الأجانب، كما نتفق معك على أن مشاهدة الأفلام والمسلسلات الأصل فيها المنع، ويزداد الإنكار بقدر ما فيها من تبرج وسفور ومضمون، ولكن ننبهك إلى أن درجات المنكر كما قال ابن القيم أربع:

الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقلّ وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.

الدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة، وقد ذكرت أن الأمر وصل إلى الطلاق، وأنك لا تطيق الصبر عليها، وليس عندك القدرة على الزواج من غيرها، وكل هذا يدفعك إلى منكر أعظم منه، لذا نود منك ألا تأمرها بتنزيل الأفلام، ولا تطلب منها ذلك، حتى لا تكون أمرت بمنكر أو رضيت عنه، ولكن افعل ما يلي:

1- أخبرها أنك تثق في دينها، وتثق في معرفتها بحدود الله عز وجل، وأنك تعلم أنها عفيفة النفس حسنة القصد، لذلك أنت ستجعل لها الخيار في تنزيل ما تريد ومشاهدة ما ترغب مما يرضي الله، ولا يعرضها أو يعرضك لحساب الله تعالى.

2- غض الطرف بعد ذلك، ولا تحاول أن تتحقق مما تفعله أو ما الذي أنزلته، ولكن أطلب منها عند حضورك للبيت ألا تشاهد أمامك التلفاز؛ لأنك تحب أن تتحدث معها.

3- اجتهد في خلق بدائل لها تغنيها عن مشاهدة تلك المسلسلات أو الأفلام، مثل صحبة بعض الأخوات الصالحات، أو قراءة بعض الكتيبات النافعة، أو إتمام دراسة لها، أو تشجيعها على حفظ القرآن، أو مدارسة بعض الكتب الشرعية، المهم استخدم أي وسيلة تحقق الانتفاع بالوقت، مع التنبيه أن تكون تلك الوسيلة محببة إلى قلبها.

4- المرأة إذا أحبت هان عليها كل شيء، فالزوج لها عند زوجها مكانة لا تساميها أي مكانة، ففي سيرة ابن هشام: لما نُعِي إلى حَمْنَة بنت جحش أخوها الذي قتِل في أُحُد، فاسترجعت واستغفرت ثم نعي إليها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت، ثم لَمَّا نُعِي إليها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وبكت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن زوج المرأة منها بمكان).

هذه ميزة لك يجب عليك استغلالها، فمتى ما عظمت مكانتك في قلب زوجتك؛ لم تر أحدًا يستحق أن تسعده إلا أنت، وساعتها ستتنازل عن كل شيء لأجل محبتك وإرضائك.

5- اجعل لها وقتاً خاصاً بها كل يوم، فقط بالتحدث معها والاستماع منها، واجعل لها يوماً ولو في الأسبوع للخروج معها إلى أماكن تحبها للتنزه، ووقتاً آخر لزيارة بعض أهلها، وآخر لزيارة بعض إخوانك من أهل الصلاح، والذين تعرف أن زوجاتهم على درجة من الصلاح، والدعوة جيدة، كل هذه الوسائل ستضيق عليها فرص مشاهدة الأفلام.

6- خصص وقتاً لزيادة معدل التدين عندك وعندها، بأن تسمع محاضرة دعوية، أو تذهب إلى محاضرة في المسجد، أو تقرأ معها آيات من القرآن، وتقوم بتفسيرها لها، كل هذا مع المحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم.

هذه نصائحنا -أخي الكريم-، ونتوقع أنك متى ما اتخذت هذا الأسلوب منهجاً أن تخف هذه الحدة، وأن تتجاوز هذه المرحلة بسلام -إن شاء الله-، نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يصلح حال زوجك، وأن يسترك بستره، وأن يصرف عنكما كل شر إنه جواد كريم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً