الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فتحت مشروعاً تجارياً لكن قلبي معلق بالعلم والدعوة، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم
جزاكم الله خيراً عما تقدمونه لنا من الخير والإفادة.

انتهيت من دراستي في الكلية، وهي في مجال الدعوة الإسلامية، وكان عندي طموح -بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية- أن أعمل في مجال الدعوة الإسلامية، وأنتهج نهج الأنبياء والصالحين بالدعوة إلى الله، لكن لم أقبل في الاختبارات!

كان عندي هواية في صيانة الهواتف، فقمت بفتح مشروع في هذا المجال، لكن حبي للدعوة ما زال موجوداً بداخلي، أنا لم أكن مجتهداً بالدرجة الكافية إلا في آخر سنتين بالجامعة، كنت مرتاحاً نفسياً عندما كنت ألقي درساً، أو أتكلم وأدعو إلى الله، أو أقرأ كتاب علم على أحد.

الآن في عملي و-الحمد لله- الكثير من الدلالة على أنني وجدت مصدر رزق، ولكني أتذكر ما كنت فيه من الراحة والاطمئنان بالجلوس في حلقات العلم، وعما عليه أنا الآن من معاملة مع الزبائن، الذين منهم الطيب، ومنهم غير ذلك، أحياناً أدعو إلى الله وألقي المواعظ.

سؤالي: هل من سبيل كي أكون داعياً أو مدرساً؟ وهل أبحث أم أبقى كما أنا وأهتم بتوسيع مشروعي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا وأخانا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على الخير، ونسأل الله أن يستخدمك فيما يُرضيه، واعلم أن الدعوة إلى الله من أرفع مقامات الدين، وهي وظيفة رسولنا الأمين ومَن سار على دربه من المصلحين.

نحب أن نؤكد لك أولاً: أن من سار على الدرب وصل، وأن الإنسان ينبغي أن يكون داعيةً إلى الله تبارك وتعالى على علم وبصيرة، (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومَن اتبعني)، والدعوة إلى الله لا ترتبط بالوظيفة، فلا تترك هذا الهم وهذه الهمّة، واستمر في تطوير ما عندك من القدرات، وكن داعية إلى الله تبارك وتعالى.

اعلم أن الداعي إذا استطاع أن يكسب رزقه ويكون له مصدر رزق، فإنه ينجح نجاحًا كبيرًا منقطع النظير في دعوته إلى الله تبارك وتعالى، لذلك هذا لا يمنع، فلا تتوقف عن مواصلة التعليم والبذل أيضًا؛ لأن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى تحتاج إلى أن يُمكّن الإنسان نفسه من المعارف الشرعية، ثم بعد ذلك ينشر ما تعلّمه، ثم يُربي نفسه ومَن حوله على هذا الدّين العظيم، الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

أرجو أن تكون في عالم التجارة في الجوّالات تفتح صفحة جديدة، والمتجر يصير كأنه دعوة تُذكّر الناس، وهل هناك مَن يحتاج إلى التذكير والدعوة أكثر من المهتمّين بالجوّالات والتقنيات التي فيها مواقع التواصل التي تبعث كثيرًا من السموم، وقليلاً من الخير عبر هذه الأجهزة؟!

إذًا نحن نريد أن ننبه إلى أهمية أن تستمر هذه النية الجميلة والرغبة في الخير، مع الاستمرار في هذا العمل الذي نقترح عليك -إذا توسّع العمل- أن تأتي بمن يُدير العمل، ثم تكون أنت مراقباً له، وداعياً إلى الله تبارك وتعالى، تستفيد من الفرص، ولا مانع أيضًا من أن تُعيد الاختبار عند الجهات الرسمية، حتى يكون لك أيضًا تصريح؛ لأن بعض البلاد تريد أن يكون الداعية الذي يتكلم معه تصريح.

لذلك أرجو ألَّا تتوقف هذه النية الطيبة، وكما قلنا: هذا لا يمنع أن يكسب الإنسان رزقه، وأئمة السلف كانوا هكذا، فالإمام أبو حنيفة كان بزّازًا يبيع الثياب، وكثير من الأئمة ستجد في وظائفهم الخيّاط والبزاز والبقال والزيات، إلى غير ذلك من الوظائف والمهن التي كان يمتهنها هؤلاء الفضلاء، مع دعوتهم إلى الله تبارك وتعالى، وتعليم الناس الخير.

عليه أرجو أن تستمر هذه النية، وتستمر في دعوتك إلى الله تبارك وتعالى، وتذكّر أن أنجح الدعاة هم الذين لم يجعلوا الدعوة وظيفة، وإنما جعلوا الدعوة إلى الله رسالة وهماً، ونبي الله نوح دعا قومه سِرًّا وجهارًا، ثم أعلن بدعوته إعلانًا، ثم أسرَّ بها إسرارًا، قال القرطبي: "كانوا إذا رجعوا إلى بيوتهم ذهب إليهم في البيوت يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى"، فلا تترك سبيلاً أو وسيلة تستطيع أن تُقدّم بها الدعوة إلى الله إلَّا وتسلك ذلك السبيل، واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بشّر مَن سَمِعَ مقالته بالنضارة، فقال: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فوعاها فَبَلَّغَهَا كما سمعها)، وأيضًا قال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)، هي توجيهات تدعونا إلى أن نجعل الدعوة إلى الله رسالة في حياتنا.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً