الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يقلد رفاق السوء ووالداي لا يستمعان لتحذيري!

السؤال

أخي بعمر 15 سنة، ومنذ مدة قصيرة اكتشفت أنه أتى بهاتف سراً، وفتح حساباً على الفيسبوك، ويتكلم فيه مع أصحابه كلاماً غير أخلاقي، ولا يليق بالمسلم، وكان له محاولات سابقاً أن يقتني هاتفاً، ويتصرف فيه كما يشاء بدون مراقبة أحد، بحجة أنه صار كبيراً.

كل مرة كنت أخبر الوالدين، وكانوا يمنعونه لمصلحته، وحرصهم عليه من الضرر الموجود بهذه المواقع والهاتف، لكن بدون مراقبة، وهو ذو طبع عنيد وغليظ، ولا يسمع النصيحة، وإذا تكلمت معه يهينني بالألفاظ ويغضب، وأصر أكثر أن يقلد رفقاء السوء، بالرغم من أن الوالدين غير مقصرين بتربيتنا تربية حسنة، وغير منقصين علينا من الأجهزة الإلكترونية للدراسة والألعاب لنا كلنا.

هل إذا كتمت هذا الموضوع هذه المرة عن الوالدين، أكون آثمة؟ وهل علي شيء؟ لأني حاولت كثيراً أن أنبه الأهل حول خطورة عدم مراقبة أخي من الوقوع في مثل هذه الأمور التي تؤدي إلى الإنحراف، وما تغير شيء في النهاية، والوالدان هما المسؤولان بالأخير أمام الله عن أبنائهم.

إذا بقي على هذا الطريق الخطأ، فهل تكون معاملتي مع أخي بشكل عادي أم تتغير؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، وبدايةً نسأل الله تعالى أن يهدي أخاك إلى الخير والحق، ويردّه إليه ردًّا جميلاً.

نصيحتنا -ابنتنا العزيزة- ألَّا تيأسي من محاولات إصلاح أخيك، وكوني على ثقة من أن الله سبحانه وتعالى قد يجعل كلمة منك مفتاحًا للتغيير، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبُها كيف يشاء، وكل جهدٍ تبذلينه في سبيل إصلاح هذا الأخ هو عملٌ صالح يُقرّبك من الله سبحانه وتعالى، ومدَّخرٌ لك في صحائف أعمالك، فالله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.

ممَّا لا شك فيه أن من صِلته والرحمة به ألَّا تكلّي أبدًا ولا تملّي من نصحه وتوجيهه وتذكيره، والكلمة الطيبة لابد وأن يكون لها أثرٌ في النفس الإنسانية، وقد يتأخّر هذا التأثير ولكنّه في الغالب لا يتخلَّفُ مطلقًا، واستعيني على إصلاحه بالوسائل المؤثّرة، فربما لا يتأثر بكلامك المباشر، ولكنّك لو أسمعته أو أريته بعض المقاطع المذكّرة له باليوم الآخر والجنة والنار والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى -الحساب والجزاء- ربما أثّر فيه ذلك تأثيرًا أبلغ من تأثير نُصحك المباشر.

هذا كلُّه نقوله -أيتها البنت الكريمة- على جهة النصح والحرص على ما هو خيرٌ لك وخيرٌ لأخيك، أمَّا الحدود الشرعية التي يُعرف بها الإثم وعدم الإثم، فسكوتك عن إنكار هذا المنكر ما دمت تتوقعين أنه لا فائدة من هذا الإنكار لا إثم في هذا عند كثير من أهل العلم، وبعضهم يرى أنه لابد من إنكار المنكر ولو علم الإنسان أن هذا الإنكار لا فائدة فيه.

أمَّا عن معاملتِه وكيفية المعاملة له مع استمراره على ما هو فيه من الغلط والوقوع في المعاصي: فهذا أمرٌ راجع إلى تقدير المصلحة من وجهة نظرك، فإذا كان سيرتدع عن معاصيه وسيكفّ عنها فيما لو هجرته وتركت الكلام معه؛ فإنه حينئذٍ ينبغي التعامل معه بهذا الأسلوب ما دام سيترتّب عليه النفع المطلوب، وقد هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه بسبب معصيتهم، كما ذكر الله تعالى في كتابه الكريم في سورة التوبة.

أمَّا إذا كان الهجر لا يفيد ولا يترتّب عليه نفع، أو قد يترتب عليه فساد أكثر من الفساد الموجود؛ ففي هذه الحالة الواجب عليك أن تتعاملي معه بالصلة، ولا يجوز قطعه وهجره، وهذا هو الأصل في التعامل مع المسلم، فلا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

بعض الآباء قد يغفلون عن مثل هذه الأمور، وبعضهم لا يدرك مشاكل وسلبيات المواقع والبرامج الحديثة، وما تبثه من شبهات وشهوات؛ ولذلك نحن نقترح عليك أن تقومي بدور التوعية لوالديك، دون أن تخبريهم عن أخيك بشكل شكوى من تصرفه؛ لأننا نريد إصلاح العلاقة بينك وبين أخيك حتى تستطيعي التأثير عليه بإذن الله، وربما لو كلمت والدك عن أخيك؛ فقد يكرهك هذا الأخ ولا يستمع لك، خاصة وأنه في عمر التقلبات وهو ما يسمى بعمر المراهقة، ويشعر فيه بأنه أصبح كبيراً ومؤهلاً وواثقاً من نفسه؛ لذلك استمري في محاولاتك نصح أخيك بأسلوب رقيق، وأيضاً في توعية والديك، وتذكيرهم بمسؤولية الآباء عن الأبناء التي سيسألهم الله عنها، وحثهم على الدعاء لأخيك، والاهتمام به أكثر، ومصاحبته والاستماع له، وعدم تركه للعالم الوهمي.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً