الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ارتكبت أخطاء كثيرة وتحملت الكثير من الديون، فهل من مخرج؟

السؤال

السلام عليكم

قمت بأخطاء كثيرة في حياتي، وأريد أن أتوب، وقد أخذت قرضًا، ووقعت في خسائر مالية، وديون قديمة وجديدة، وأشعر أني بمفردي، خصوصاً بعد وفاة أمي -أسأل الله أن يرحمها- صرت في دوامة نفسية، أتمنى أن أخرج منها. حتى زوجتي تخلت عني، نعيش سوياً، لكن كل واحد منشغل بنفسه، ولا أعرف كيف أعيش لحظة من غير تفكير.

أصحاب الدين سيطلبونه بشكل رسمي، وأنا منذ أكثر من شهر لم أدفع، فما حل المشكلة؟ لأني ليس لدي في الدنيا بعد الله إلا أنتم، وأكيد مرت بكم حالات مشابهة، وعندكم خبرة في حلها، فأحتاج حل المشكلة؛ فأنا داخل في نفق مظلم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما سألت عنه فإنا نجيبك من خلال ما يلي:

أولاً: إننا نحمد الله إليك تلك التوبة والأوبة إلى الله عز وجل، فلا يخفاك أن سعادة الدنيا والآخرة في طاعة الله، وأن الشقاء والقلق والتعاسة، وحتى الضيق في الرزق من جراء معصية الله تعالى، فقد جاء في المسند وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).

يقول ابن القيم رحمه الله معدداً عقوبات المعصية، ومنها: (أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة فإنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء والأرض) {الأعراف:96}، وقال تعالى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا) {الجن:16}.

نعم: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته، وأن الله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط).

عليه فإن أول ما نوصيك به هو العودة السريعة إلى الله عز وجل، واللجوء إلى الله، والاحتماء به، وسؤال الله من فضله، مع الأخذ بكل الأسباب الكفيلة من الخروج مما أنت فيه.

ثانياً: ما أنت فيه -أخي- من التخبط الذي أوقعت نفسك فيه يجب أن يكون منفصلاً تماماً عن توبتك وصلاحك وعبادتك؛ فإن هذا -أي العبادة- واجب عليك، سواءً كنت في سعة أو في ضيق، وسواءً كنت في نعيم أو في ابتلاء، فالله الله في تدينك.

ثالثاً: للخروج من هذا الأمر لا بد من أمرين:
1- دراسة لوضعك الحالي، بمعنى: القيام بمقارنة الدخل مع الدين، واستشارة أهل الفضل والحكمة، وجدولة الديون، بحيث تستهلك الجزء الرئيس من دخلك، مع محاولة البحث عن عمل إضافي، أو دخل آخر، بحيث تسطيع معه أن تتقدم كل يوم خطوة.
أهم ما ينبغي عليك القيام به هو استشارة من هم أكبر منك سناً، وأكثر منك خبرة في الحياة؛ لمعرفة ما تبدأ به وكيف، كما يمكنك -أخي- الاستعانة بعد الله بكل من يستطيع أن يقدم لك مساعدة، ولو كانت نصيحة.

2- اعلم قطعاً أن الأقساط بمثل هذه الطريقة لا تحل لك، كما أنها لن تزيدك إلا خسارة وتخبطاً، والعاقل من يتحمل الضرر الأدنى لأجل أن يدفع الضرر الأعلى.

3- يمكنك كذلك مشاورة بعض أهلك الأقربين، فقد يكون عندهم من الحلول ما يساعدونك به ولو جزئياً.

4- الاكتفاء في النفقات على الضرورات، وترك الكماليات، أو ما يمكن الاستغناء عنه.

أما عن سبيل سعة الرزق، فقد بينه الله عز وجل بما يكفي ويشفي ويغني عن قول كل قائل، فقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، الطلاق 3,2.

رابعاً: اعلم -أخي الكريم- أن الرزاق هو الله، وأن الله إذا علم من العبد صدقاً أعانه، كما أن هناك أسباباً جالبة للرزق، عليك ألا تهملها مع ما ذكرنا من الأخذ بالمقترحات السابقة، من هذه الأسباب: الصلاة، وحث أهل البيت جميعهم عليها، فقد قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى). [طه:132].

كذلك منها كثرة الاستغفار، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).[نوح:12،11،10] وكذلك منها صلة الرحم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، متفق عليه من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.

ومنها الصدقة ولو بالقليل، فقد قال تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ: 39، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مالٌ من صدقة) رواه مسلم، ومنها كذلك الدعاء، مع الحرص على الابتعاد عن موانع الإجابة كأكل المال الحرام مثلاً.

هذه نصيحتنا لك، ونسأل الله الكريم أن يسد عنك الدين، وأن يفرج همك، وأن يبصرك بالحق، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً