الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خيانة زوجتي جعلتني أعيش جحيماً لا يطاق!

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله

مشكلتي بدأت قبل 7 أشهر، وذلك بعد اكتشاف خيانة زوجتي -أم ابني- هاتفياً عن طريق الرسائل، والمكالمات الماجنة، وصورها الفاضحة.

بفضل الله تعالى تمكنت من احتواء الموضوع بيننا، والستر عليها، من أجل ابني، وإكراماً لوالديها اللذين لم أر منهما إلا كل خير.

زوجتي بعد ذلك تغيرت تماماً، وأصبحت الزوجة التي يتمناها كل رجل، التزام بالصلوات في وقتها، ومواظبة على القرآن والاستغفار، والسهر على خدمتي، وشؤون المنزل، كما أنها لا تكف عن طلب المغفرة مني.

المشكل أن ما حدث لم يكن متوقعاً أبداً، إذ أني كنت محباً لها، كريماً معها، وزوجاً صالحاً لها -بشهادتها-؛ مما جعل الخيانة تترك جرحاً غائراً داخلي، وتلك الصورة التي اكتشفتها لا تفارق عقلي مطلقاً في جميع الأوقات، في الأكل والصلاة والفراش والعمل؛ مما يجعلني أعيش جحيماً لا يطاق، وعذاباً نفسياً كبيراً أثر علي؛ مما أصابني بالاكتئاب، وجعلني أرى الحياة بشكل سوداوي، وأفقد الثقة في نفسي وفي الجميع.

للإشارة فالخيانة كانت على الهاتف فقط، واستمرت لشهر ونصف تقريباً، لكن ما قرأته من الرسائل، وما رأيته من صورها التي كانت ترسلها يجعلني لا أستطيع تجاوز الأمر، وصرت غارقاً في الهم والغم والاكتئاب.

لا أنكر أنها أصبحت تبذل كل جهدها لإرضائي ومسامحتها، وأنها تعترف بخطيئتها، وأنها ستعيش بقية عمرها فقط من أجل إصلاح الأمر، ولو اضطرت أن تكون خادمة لي فقط.

أنا حقاً تعبت، وتعبت كثيراً، ولا أستطيع التحمل أكثر.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نشكر لك - أيها الحبيب - موقفك الرائع الملتزم بأحكام الشرع، من حيث إنك سترت على زوجتك، وعلى أسرتها، وأنت موعود -إن شاء الله تعالى- بأن يُعاملك الله تعالى بمثل ما عاملتها به، فقد جاء في الحديث: (مَن ستر مسلمًا ستره الله).

ثم إن زوجتك وإن وقعت في هذا الذنب؛ وهو ذنبٌ يُوجعك بلا شك ويُؤلِمُك، وهذا من تمام غيرتك وإيمانك، ولكن ما من ذنبٍ إلَّا والله سبحانه وتعالى يقبل التوبة منه، فهو سبحانه وتعالى يتجاوز عن كل الذنوب، ويغفرها إذا تاب فاعلُها، وإذا قرأت القرآن وجدت أن الله سبحانه وتعالى يُنادي أصناف المجرمين إلى التوبة والإصلاح، ويعدهم بأن يتوب عليهم ويغفر لهم ويُصلح أحوالهم، فالذين سبُّوه وشتمُوه ونسبوا له الصاحبة والولد -وهذا أعظم الكفر وأعظم السبِّ لله سبحانه وتعالى، الذي تقدَّس عن ذلك- ومع ذلك يقول الله تعالى لهم: (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم)، فهو يذكر لهم أسماءه الحسنى سبحانه وتعالى، أنه الغفور، أنه رحيم، لذلك يدعوهم إلى الإصلاح والتوبة ليُصلح أحوالهم.

هكذا ستجد القرآن مليئاً بالدعوة إلى الإصلاح والتوبة، والوعد بإصلاح الحال، بل والوعد بأن يُغيّر الله تعالى ويُبدّل سيئاتهم حسنات، فهذا هو المنهج الإلهي، والله تعالى يُحب من عبده أن يتشبّه بأفعاله هو سبحانه وتعالى، فيغفر، ويُسامح، ويستر، ويعفو، ويعِده بأن يعامله بتلك المعاملة نفسها.

لهذا نقول -أيها الحبيب-: إن زوجتك وإن كانت قد اقترفت إثمًا ووقعت في ذنبٍ، ولكن قد وُفقت أنت أولاً إلى ضبط نفسك والستر عليها، فكمِّلْ إحسانك، وأتمِّ معروفك وجميلك، بأن تُجاهد نفسك للعفو عنها والصفح، وممَّا يُعينك على ذلك: أن تُدرك بأن الإنسان ضعيفٌ بطبعه، قد يُستدرج للذنب وللمعصية، ويأتيه الشيطان من أبواب متفرقة، فإذا رأيتَ من زوجتك بوادر وعلامات التوبة الصادقة؛ فننصحك -أيها الحبيب- أن تتغاضى عن ذلك، ففي الحديث النبوي، (كلُّ بني آدم خطَّاء وخيرُ الخطَّائين التوَّابون).

ممَّا لا شك فيه أنها إن كانت صادقةً في توبتها -كما تصفها أنت- فإنها ستُبالغ في إرضائك، وتُبالغ في محاولة إصلاح خطئها وما أفسدته، وهذا سيعود عليك وعلى أسرتك بالنفع بلا شك، فاطرد عنك هذه الغموم والهموم، واستقبل أيامك بالاستبشار بالخير والفتح من الله سبحانه وتعالى، وإصلاح الحال.

ممَّا يُعينك على تجاوز هذه المرحلة النظر في إحسانها، والجوانب الإيجابية فيها، فممَّا لا شك فيه أنك إذا قارنت فإنك ستجد فيها جوانب تُحمد عليها كثيرة جدًّا، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد في الحديث الذي رواه مسلم فقال: (لا يفْرَك مؤمنٌ مؤمنة، إن كَرِهَ منها خُلقًا رضيَ منها آخر)، ومعنى (لا يفرك) أي: لا يبغض.

إذا أساءت وأوجعتك بهذا الفعل الذي فعلته، فإنها ستَسُرُّك وتُحسن إليك وتُعينك في أمورٍ كثيرةٍ جدًّا، فهَبْ سيئتها لحسناتها الكثيرة، وتجاوز عنها لصلاح أحوالها.

مع هذا ننصحك -أيها الحبيب- بأن تبذل وسعك في القيام على زوجتك، وإصلاح أحوالها، فإنك أنت القائم على أمرها، فالرجال قوّامون على النساء كما أخبر الله في كتابه، وحاول أن تذكرها بتجديد وتقوية الإيمان والتقوى، وحاول أن تتلمّس مواطن الضعف فيها فتقوّيها، وأن تتلمَّس حاجاتها فهي إنسانة، فهي تحتاج منك إلى إشباع رغباتها العاطفية والنفسية وغير ذلك، فينبغي أن تكون عونًا لها على تحصيل حاجتها في هذه الجوانب، حتى تأمن من استدراج الشيطان لها ثانيةً.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً