الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

راددت والدي في طلب المال فغضب مني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب عربي مقيم في دولة خليجية، وأشارك منذ فترة في مسابقة تنظمها وزارة الأوقاف في هذه الدولة، تقام المسابقة 3 مرات سنويًا، ويسمح بالمشاركة بأي مقدار يختاره المتسابق، بشرط ألا يتجاوز 3 أجزاء، ولا يقل عن حزب، وتمنح مكافأة مالية وفقًا للمقدار المحفوظ، حيث يحصل الحافظ لحزب على 30 دينارًا، وللجزء الواحد على 40 دينارًا، وللجزأين 60 دينارًا، وللثلاثة أجزاء 80 دينارًا.

شاركت في المسابقة لمدة ثلاث سنوات، وكنت أشارك بجزء واحد، أو جزأين، وفي الفترة الأخيرة اقتصرت مشاركتي على حزب واحد؛ بسبب الدراسة والامتحانات، وعدم قدرتي على المشاركة بجزء كامل، وفي نهاية السنة والدي يعطيني مبلغًا صغيرًا من المكافأة، وهو 5 دنانير فقط، والآن أنا -بفضل الله- أنهيت الثانوية، وحصلت على نسبة أفرحت والدي، فطلبت منه أن يشتري لي سماعة بخمسة دنانير، وبالفعل أحضرها لي، ولكنه لم يعطني الخمسة دنانير النقدية، قلت لوالدي: إن هذا المال هو مالي بالأصل، وأنت لا تعطيني منه إلا القليل، وأنا موافق، فرد قائلًا: إنه يصرف على المنزل من هذا المال، فراددته قائلًا: أنا ولدك، ولي الحق أن تصرف علي من مالك الخاص، فغضب مني واتهمني بأني ولد أحتاج إلى إعادة التربية.

أفيدوني هل من حق الولد على أبيه أن يصرف عليه؟ أليس من حقي أخذ جزء من المال الذي لا أراه؟ فهل ما قلته وتصرفي معه خاطئ؟ وهل أخذ مبلغ المكافأة مني رغمًا عني جائز؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونسأل الله أن يزيدك حرصًا وخيرًا، وأرجو أن تستمر في حفظ كتاب الله والتسابق فيه والفوز، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وأرجو أن تعلم أن برّك لوالديك مُقدّم على كل ذلك؛ لأن البر من واجبات الشريعة، والله العظيم ربط عبادته بطاعة الوالدين، وربط رضاه برضاهما، فقال: {واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}، وقال: {وقضى ربك ألَّا تعبدوا إلَّا إياه وبالوالدين إحسانًا}، ووصى بهما، فقال: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا}.

عليه أرجو ألَّا تقف طويلاً أمام ما يحصل من الوالد، ولا تجادله في الأموال التي يأخذها، لأنه ينتفع منها في رعايتك، ورعاية إخوانك، وتحمُّل المسؤوليات، وبارك الله في كل شاب كان عونًا لوالده.

ونتمنَّى إذا طلبت ما تريد أن لا تربط هذا الطلب بالمسابقة، لا تقل: (أعطني الأموال التي عندك)، ولكن قل (أريد كذا، وأريد كذا) بأسلوب حسن، لأن هذا هو الذي يُريح الوالد، أمَّا أن تُشعره أنه يأكل أموالك، وأنه يأخذها وأنه لا يعطيك، وأن الأصل أن الأموال لك، هذا الكلام لا يصلح أن يُقال مع الأب، فأنت ومالك لأبيك.

ونحن من ناحية نقول: إنك تستحق الخير وتستحق المال، لكن لا نعرف ظرف الوالد، ولا نعرف احتياجه لهذه الأموال، إذا احتاج الآباء لأموال الأبناء فالأبناء وأموالهم لآبائهم، لأنهم السبب في وجودنا بعد الله تبارك وتعالى، ونحن لا نريد ممَّن يحفظ القرآن ومَن هو مُهذّبٌ ومحترمٌ مثلك أن يدخل في منازعات مع والده من أجل المال، فالأمر أكبر من ذلك.

نسأل الله أن يُعينك على الخير، ونسأل الله أن يهدي الوالد أيضًا حتى لا يُقصّر معك، ويكون سخيًا معك، لكن فرقٌ بين أن نقول: (اعطني أموالي التي عندك) وبين أن نقول: (اعطني يا والدي)، هذا الذي نريده، أن تطلب منه أن يعطيك أموالاً إذا احتجت لتشتري شيئًا، ولكن ليس من الحكمة أن تقول: (اعطني من أموالي التي عندك)، وهذا هو السبب الذي يُغضب الوالد، وإن كنا طبعًا لا نوافق على هذا، لكن بعض الناس لا يقبل هذا الأسلوب.

عليه أرجو -وأنت من طلاب القرآن- أن تستمر في مساعدة الوالد، وتدخل مسابقات، وينبغي أن تفرح أنك تساهم مع الوالد وتعاونه، وستجد ذلك -إن شاء الله- في مستقبل حياتك نجاحًا وفلاحًا وسعادة، فإن الطفل والشاب -الكبير والصغير- ينبغي أن يكون همّه مساعدة الوالدين، كما فعل إسماعيل مع الخليل، قال: {فلما بلغ معه السعي}، عاونه في بناء الكعبة، وهذه معاني جميلة، فالأبناء عونٌ لآبائهم على صعوبات الحياة.

ولتعلم ابننا الفاضل أن الآباء يتحمّلون مسؤوليات كبيرة في الصرف، ورعاية الأسر، وكثرة الغلاء، واشتداد الحياة مع الناس في كل أرض في هذا الزمان، وبالتالي أرجو ألَّا تقف طويلاً أمام الذي حدث، بل ينبغي أن تُظهر الفرح، وأتمنّى أن تعتذر للوالد، وليس معنى هذا أنك لا تطلب الأموال، ولكن تطلب الأموال، ولكن بغير هذا الأسلوب، بارك الله فيك، ووفقك الله لما يحبُّ ويرضى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً