الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أجد راحتي في شقتي بسبب أم زوجي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا متزوجة منذ أحد عشر عامًا -ولله الحمد-، علمنا منذ عشر سنوات أن زوجي لن يستطيع الإنجاب، ولا يوجد علاج لحالته، رضيت وحمدت الله وصبرت، وكان أهل زوجي وقت الاتفاق أخبروا أبي أن زوجي سيشتري شقة في محافظة أهلي، وأننا سنتزوج في بيت عائلته لفترة، وأني سأعيش حياة منفصلة عنهم.

بعد الزواج لم يوفوا بالعهد، ورفضوا انتقالنا، وظللت في بيت العائلة، وحدثت مشكلات عدة، فكرت وقتها بالانفصال، ولكنه دافع عني، والله يعلم أنهم ظلموني وما ظلمتهم، إلا أني اغتبتهم بظلمهم هذا دفاعًا عن نفسي.

انتقلنا لنعيش وحدنا عدة سنوات، ولكن لظروف المعيشة عدنا لبيت العائلة، فأتت والدته إلى شقتنا لأنها ستجدد شقتها، وظلت معنا بنفس الشقة لسنتين، وقد أنهت تجديد شقتها، ولكنها تؤجل الانتقال لأنها تجد راحتها عندنا، وأنا أشعر بأني مضغوطة في تقديم الخدمة، ولا أستطيع أن أرتدي ما يعجبني من ملابس؛ فهي لا تضع حدوداً، وتستحل دخول أي مكان، وزوجي إذا اشتكيت له، يقول: هل أطرد أمي؟

أنا أحاول التمسك بالصبر، ولكن (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، وأقول قريباً ستنتقل، هكذا صار حالي والوقت يقترب، والمفترض أن تنتقل خلال العام القادم، بعون الله تعالى.

أخبرته أنه لا يجب ترك الوالدة وحدها، وأن عليّ وعلى زوجات إخوته أن نتقاسم معاً الأيام؛ فكل واحدة تقضي يومين مع أم الزوج، ونبعد عنها الوحدة، ويكون لكل منا وقت لمنزلها أيضاً، فأخبرني أنهن لا يرضين بالمجيء ولا بالخدمة، ولا تناول الطعام معها، وإذا قضيت 3 أيام للخدمة والطعام، فإنه في بقية أيام الأسبوع سيتركني وحدي، ليتناول معها الطعام.

للأسف لم أتمالك نفسي وغضبت، فأنا لا أحتمل وجودها، وأُمنِّى نفسي أن القادم أفضل.

أشعر بالحزن على عمري، فكيف أستطيع أن أعيش هكذا؟ هل هذا ديننا؟ وهل ما سيفعله يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل أنا مخطئة؟ فهو يقول هذا بر بأمي وحقها، فأين حقي؟

يقول: إن هذا ليس بظلم، لأنه من الشرع والدين، فلماذا أشعر بالظلم؟ هل الشيطان وشر نفسي مما يجعلني أشعر بذلك؟ هل عندما رضيت بابتلاء عقمه، ورفضهم أن نخرج من بيت العائلة، وبقائها معي بنفس الشقة، هل هذا خطئي؟ هل ظلمت نفسي وسيعاقبني الله؟ هل تفكيري سيئ، وأهول الأمور؟

أتمنى فقط حياة طبيعية مع زوجي، نأكل معاً، نضحك معاً، أن تكون حياتنا ليست مكشوفة، فوالدته تخبر الجميع بما يدور بيننا، حتى العلاقة الزوجية، يأتيني في الوقت الذي يتاح أو حال عدم وجودها، وليس الوقت المناسب، أفكر في الطلاق بكثرة هذه الفترة، وأخشى أن يكون ذلك بطراً بالنعمة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يُعينك على إكمال هذا العمل العظيم الذي قمت به، ونحن نحيي هذه المشاعر النبيلة التي جعلتك تقومين بهذه التضحيات من أجل هذا الزوج.

نحن سعداء جدًّا بحرصك على الصبر على والدته، وهذا ممَّا تستحقّين عليه الإكرام، والواضح أنه قدَّر هذا عندما دافع عنك أمام المشاكل والصعوبات التي واجهتك.

سعدنا مرة أخرى عندما رفضت أن تعيش والدته وحدها بعد أن تعود إلى الشقة المخصصة لها، والتي تمّت صيانتها، وستنتقل كما قلت في هذا العام الذي نسأل الله أن يبلغنا إياه، وأن يجعلنا من الذين طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم.

مشاعرك النبيلة تدل على أنك على خير كثير، ونتمنَّى إكمال هذا الخير، وإذا عجز إخوانه وأخواته على القيام بواجبهم تجاه والدتهم فأرجو أن تُساعديه على القيام بما عليه؛ لأن البر واجب عليهم جميعًا، لكن تقصير إخوانه وأخواته وأزواجهن لا يُبيح له التقصير، وبرُّه بوالدته سيكون مصدر خير لكِ أنت.

الذي فهمناه أنك ستكونين في بيت ووالدته في بيت، ولكن لكونها وحدها سيتناول معها الطعام، ونعتقد أن هذا أفضل لك وله، يعني: أحيانًا سيذهب ليتناول معها الطعام ثم يعود إليك بعد ذلك.

أقول: تستطيعان أن تكون الحياة الخاصة بينكما، وبقية الوقت بعد ذلك لا مانع أن يكون المرور على والدته، أو السماح له بأن يذهب إليها، ولا تُقارني نفسك بالأخريات، ولكن اطمعي فيما عند رب الأرض والسماوات، وهنيئاً لمن تعين زوجها على بِرِّ أُمِّه، ولمن تُعين زوجها على الخير، ولا تلتفتي إلى تقصير الآخرين أو الأخريات.

الإنسان إذا شعر أنه يفعل الأمر إرضاءً لله تبارك وتعالى -وممّا يُرضي الله إسعاد الزوج، ومعاونته على البر- يكتب له الأجر والثواب، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114]، إذا علمت الثواب الذي ينتظرك عند الله؛ فإن هذا سيكون أكبر حافز، وأكبر دافع على ذلك.

لا نؤيد فكرة المطالبة بالطلاق بعد هذه التضحيات، والحياة الجميلة التي قمت فيها بكثير من الواجبات، والإنسان ما ينبغي أن يندم على ما مضى، ولا يندم على ما قام به من الخير، ولكن ينبغي أن يُدرك أن الأمر كما قال النبي (ﷺ): (‌عَجَبًا ‌لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ له خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ)، فنحن بالإيمان في خيرٍ وعلى خير، وكلّ ما يُصاب به الإنسان فيه خير، (إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).

إذا كنت -ولله الحمد- قد ضحيت وصبرت فلا شك أن في زوجك أيضًا من الإيجابيات ما جعلك تستمرين معه وتُكملين معه هذا المشوار، فكوني عونًا له على البر، وطبعًا أيضًا نحن ندعوه إلى أن يكون وفيًّا لك كما دافع عنك من قبل، وأن يُعطيك حقك، وأن يُسعدك، وأن يُسمعك الكلام الجميل، وأن يُوفّر لك الدعم المعنوي، هذا كله مطلوب، ولو أن زوجك راسلنا لحرَّضناه على الإحسان إليك، وهذا أيضًا بابٌ من أبواب الطاعة؛ لأن الشرع الذي يأمرُه ببرِّ والدته هو الشرع الذي يأمره بأن يُحسن المعاشرة لك.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً