الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توفيت أمي بعد خلاف حدث بيننا، فكيف أتخلص من عذاب الضمير؟

السؤال

السلام عليكم.

أتمنى من الله أن أجد عندكم إجابة.

كنت مسافرًا، وعدت من السفر لأنني مررت بابتلاء عظيم في الغربة، ولما نزلت بلدي كنا نتشاور أنا وأمي في أمور زواجي، لأنني كبرت في العمر، وبعد مرور شهور قليلة حدث بيني وبين أمي خلاف، وارتفعت أصواتنا، وتطاولتُ عليها، ثم تركتها وذهبت، وبعد مرور 15 دقيقة جاء أخي يصرخ عليّ أن أسرع لرؤية أمي، وإذا بها تلفظ أنفاسها الأخيرة.

توفيت أمي وأنا أحمل ذنبًا وتأنيب ضمير، والآن أعيش في حزن وهم وغم، ولا أعرف مصيري يوم الحساب أو عند عذاب القبر.

كنت جاهلًا بالعقوق، وكأن الله نزع مني البصيرة، وسمعت بعض المشايخ يقولون لا توبة لعاق والديه.

أتمنى حلًّا يخلصني من هذا الذنب، أنا في حرب نفسية مع الشيطان، ونفسي تتوق إلى حل، تعبت، وربي يعلم أنني مقهور على وفاة أمي، هل لي توبة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يتوب عليك، ويغفر لأمّك ويرفع درجتها، ويجعل ما أصابها كفّارةً لذنوبها، ورفعةً لدرجاتها.

ونحن ننصحك -أيها الحبيب- بأن تتجه نحو الأمور الإيجابية النافعة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز"، فالنفع هنا والحرص على الشيء النافع هو أن تتوجّه إلى الله تعالى بصادق التوبة، فتندم على ما فعلت، وتعزم على عدم الرجوع للذنب في المستقبل، وهذا ينفعك فيما بينك وبين الله، أي في حق الله تعالى عليك.

فإن المعصية إذا كانت في حقٍّ من حقوق ابن آدم فإن لله تعالى حقًا؛ لأنه هو الذي حرَّم الاعتداء، أو حرّم العقوق -كما هو في مسألتك أنت-، وهناك حقٌّ للمخلوق، فالتوبة بمعنى الندم على الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل ينفعك في حق الله تعالى عليك، والله تعالى يغفر ويتوب لمن تاب، فقد قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25] وقال سبحانه وتعالى في وصف عباد الرحمن: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104]. وقال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 68-71].

فالله تعالى يقبل التوبة ويُبدّل سيئات التائب حسنات، ويفرح بتوبة العبد، لأنه يريد أن يُعطيه ويُكرمه، والتوبة تمحو ما كان قبلها من الذنوب، فقد قال الرسول ﷺ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، فإذا تبت توبة صادقة فإن الله تعالى يقبلها منك ويتوب عليك.

وأمَّا عن حق أُمِّك: فإن كنت تسببت في موتها بما أحدثته معها من العقوق، ورفع الصوت وغير ذلك، فهذه جناية في حق أُمِّك وذنب، وإن لم تكن بلغت درجة القتل، ولكنّك تسبّبت في إيذائها، وهذا من كبائر الذنوب، والعقوق ذنبٌ عظيمٌ، ولكن لا ينبغي أبدًا أن تستسلم لمشاعر اليأس والإحباط التي يحاول الشيطان أن يُضخِّمها لك ليُقعدك عن العمل، ويُيَئسك من رحمة الله تعالى، مُستغلًّا هذا الذنب، ويأتيك لابسًا قميص الدِّين ويُخوّفك من ذنبك، وأنه ذنبٌ عظيمٌ كبيرٌ، وأنه لا رحمة من الله تعالى بعد هذا الذنب، ولا باب من أبواب الجنّة يُفتح، ولا غير ذلك، فهذه كلُّها وساوس شيطانية.

تُب إلى الله تعالى، وحاول أن تنفع أُمّك بعد موتها بكثرة الدعاء والاستغفار لها، والتصدُّق عنها إذا استطعت الصدقة، وإهداء ثواب القرآن لها على قول بعض العلماء، فإن ذلك ينفعها -بإذن الله تعالى- في قبرها.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسّر لك الخير، وأن يتوب عليك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً