الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ندمت على هجرتي إلى ديار غير المسلمين، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخواني الأفاضل: أحمد الله أن لنا دينًا نرجع إليه عندما يختلف علينا الأمر.

أنا سوداني، نشبت الحرب في بلادنا في داخل المدينة، فنزحت مع أسرتي من بيتنا؛ لخوفنا على أنفسنا، وتركنا والدنا، فذهبت أنا وأمي وإخوتي لأقاربنا في الريف، ولم يكن آمنًا جدًا، لكنه خير من المدينة، حيث كنا مع أهلنا يدعموننا ويساندوننا، فرحبوا بنا، وبقينا معهم فترة طويلة، حتى اعتدنا عليهم، ولكن حدثتنا أنفسنا أن نسافر خارج السودان؛ لنؤسس لأنفسنا من جديد، فاستخرتُ، ثم قررت أن أسافر بهم لدولة إفريقية، مع العلم بأني أحفظ القرآن الكريم، وكنت أعلم أنه لا يجوز الهجرة والعيش ببلاد غير المسلمين، ولكني أخطأت، وأذنبت!

والآن أدركت خطئي، بعد أن عانيت وأسرتي من ثقافة، ولغة، وأديان، وأخلاق غير أخلاق بلادنا وأهلنا في الريف، بالإضافة لصعوبة العيش، وغلاء الإيجار والأسعار، فندمت على ترك السودان، فصرت الآن أفكر بالعودة، ولكن أخاف أن يتعارض ذلك مع ما قدر لي بعد الاستخارة!

ما نصيحتكم؟ بارك الله فيكم، وأعلى قدركم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا وأخانا- في الموقع، ونسأل الله أن يرفع الغمة عن الأمة، وأن يعيد الأمان والطمأنينة للسودان وبلاد الإسلام، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والدين، وأن يُرينا فيمن أراد الإسلام وأهله بالشر عجائب قدرته، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أرجو أن تعلم أن هذا الكون ملك لله، وأنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، وأن كل ما يحدث في هذا الكون من تقدير الله تبارك وتعالى، وليس أمام الإنسان إلا أن يفر من قدر الله إلى قدر الله، كما قال عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، ومن حق الإنسان أن يبحث، يحاول ويجتهد، ويفعل الأسباب، ثم يتوكل على الكريم الوهاب.

والعودة إلى الوطن هي الأصل، والإنسان من حقه أن يرتحل ويعيش هنا وهناك، لكن العودة إلى الديار، خاصة التي فيها الأهل، يجد فيها الإنسان من يعينه، ويسانده، ويعينه على تجاوز الصعاب، وليس في ذلك أدنى مخالفة شرعية، بل مطلوب أن يبحث الإنسان ويجتهد، ثم بعد ذلك يفعل ما يستطيع فعله من الأسباب، ثم يتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى، فلا إشكال في هذا، ولا اعتراض أبدًا من الناحية الشرعية، أو إشكال من الناحية الشرعية في أن ينتقل الإنسان إلى هذا البلد أو ذاك البلد.

وأنت معذور في ذهابك للبلد المذكور؛ لأنك كنت في ظروف صعبة، ونسأل الله أن يعيدك إلى بلدك، أو إلى بلد مسلم تسعد فيه بسماع الأذان، رؤية الخيرات، ووجود من يعينك على طاعة رب الأرض والسماوات.

فإذًا: الإنسان من حقه أن ينتقل إلى هنا وهناك، ويتأكد هذا عندما يكون الإنسان مهدداً في عرضه، أو في أملاكه، أو في نفسه، وهذا ما حدث لأهلنا الذين هاجروا وتركوا ديارهم، بل أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق، فنسأل الله تبارك وتعالى أن ينتقم ممن ظلمهم، وأن يردهم جميعًا إلى أوطانهم آمنين سالمين، وأن يعيد الأمن والطمأنينة إلى سوداننا، وإلى بلاد المسلمين أجمعين.

وإذا كنت تجد صعوبة شديدة، وعسرًا مستمرًا في العيش في هذا البلد؛ فلا مانع من الاستخارة ثم الرجوع إلى الوطن؛ خاصة أنك تذكر أن أحوالكم في الريف مع أقاربكم كانت طيبة، فارجع إلى مكان إقامتك الذي كنت فيه ما دام دار إسلام، وما دام آمنًا، وما دمت تستطيع إقامة شعائر الدين فيه، وما دام أهله مسلمون، وما دامت الأخلاق فيه تنسجم مع أخلاقك.

إذًا: العودة إلى وطنك أفضل من الإقامة في البلد الذي أنت فيه، ولعل الله عز وجل يحدث بعد ذلك أمرًا، ولعل الله يصلح الحال، ويبدله بأحسن حال، هو ولي ذلك والقادر عليه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات