الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد الاستقامة تسلطت علي الوساوس والأفكار، فما السبب؟

السؤال

‎السلام عليكم.

‎أنا شاب، عمري 22 سنةً، وقد أصبت باكتئاب، ووساوس وأفكار قهرية منذ استقامتي، ف‎قبل 4 أشهر -تقريبًا- كنت أدخن، وأفعل العادة السرية، وأشاهد الإباحية، وكنت في علاقات محرمة منذ الصغر، وأسأل الله أن يغفر لي، وقد استطعت أن أترك التدخين، والإباحية، والعلاقات المحرمة، ولكن العادة السرية أتركها لمدة ثم أعود إليها، ثم أتركها لمدة، ثم أعود إليها، والوساوس والأفكار تزداد يومًا بعد يوم، ولا أعرف ما السبب؟

في البداية كان عندي وسواس أن الله لن يغفر ذنوبي، وكنت أشعر بقلق زائد تجاه كل شيء أعمله إذا كان حرامًا أم لا، ثم أصابتني الوساوس في العقيدة، وأصبحت أشك في كل شيء، ثم الوساوس الجنسية، وهذا ما أمر به الآن؛ تأتيني فكرة جنسية تقهرني، وتخوفني، وتزعجني كثيرًا، وكنت دائماً أبحث عن حل لها، لماذا تأتيني هذه الأفكار والوساوس القبيحة، والمزعجة، والمخيفة؟

قرأت مرةً أنها بسبب نقص الفيتامينات، ومرةً أنها بسبب عين، أو حسد، أو سحر، أو تسلط القرين، أو أنها بسبب الآثار الانسحابية لترك العادة، والتدخين، والإباحيات، مما سبب لي التشتت الشديد واليأس!

‎أرجوكم ساعدوني، كنت أصلي بكل خشوع، والآن لم أعد أستطيع أن أركز في صلاتي بسبب الوساوس الجنسية، وكنت أحب الصلاة في المسجد، والآن لا أستطيع خوفاً من الوساوس، وكنت أحب أن أقرأ وأسمع القرآن، والآن ذهب التدبر والفهم في القرآن بسبب الوساوس!

‎أصبحت لا أريد الخروج من غرفتي، وأسأل الله أن يشفيني من هذه الوساوس، فقد أصبحت منفصلاً عن الواقع، وصار تركيزي ضعيفًا.

‎لا أحد من أهلي يعرف أني أمر بهذه الحالة، هم يرون أني مكتئب، ويسألوني عن السبب، فأقول لهم: إني بخير، ولا أخبرهم بحقيقة حالي.

أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك صراحتك فيما عرضت في سؤالك إلينا، داعين الله تعالى لك بتمام التوفيق والسداد.

أولًا: أحمد الله تعالى إليك على أنه وفقك للتخلص مما ذكرت، من ترك الإباحيات، والعلاقات المحرمة، والعادة السرية، والتدخين، فاحرص على التوبة النصوح، وعلى استمرار الاستقامة.

نعم الوسواس القهري، اضطراب نفسي يصيب بعض الناس، وهو مرض كغيره من الأمراض النفسية، أو البدنية، وله أسبابه، وله أعراضه، وله علاجاته.

ومن أعراضه أن هناك أنواعًا من الوسواس القهري، وهي أفكار قهرية لا سيطرة لك عليها؛ إما أنها تتعلق بالدين، والعقيدة، والصلاة وغيرها، أو تتعلق بالأمور الجنسية وغيرها، ولا شك أن الحياة التي كنت تعيشها من قبل، والتي وصفتها بشكل جيد، لها تأثير على مضمون هذه الأفكار الوسواسية التي تأتيك الآن.

ولكن -بإذن الله عز وجل- إذا استمررت على الاستقامة، فستتخلص من هذه الأفكار القهرية الجنسية، ولا شك أن حياتك السابقة بما فيها من أخطاء تنعكس على ما تعاني منه الآن، ولكن الوسواس القهري له علاجه أيضًا، وقد لا يفيد في بعض الأحيان مجرد المقاومة لهذه الأفكار القهرية، ولكن لا بد من العلاج الدوائي.

وطالما أن هذه الأفكار الوسواسية أصبحت تؤثر على حياتك، وعلى صلاتك، وعلى ذهابك إلى المسجد وغيرها، لذلك أنصحك بأن لا تتردد أو تتأخر في زيارة العيادة النفسية؛ ليقوم الطبيب النفسي بفحص الحالة النفسية، ووضع التشخيص المناسب، ثم يصف لك الخطة العلاجية، والتي غالبًا ستتضمن أيضًا العلاج الدوائي للوسواس القهري أو الأفكار القهرية، ومن طرفك أرجو أن تحرص على الاستمرار على الاستقامة، وخاصةً الصلاة على وقتها، والتزام المسجد قدر الإمكان للصلاة مع الجماعة، بالإضافة إلى الابتعاد عن رفقاء السوء، والبحث عن الصاحب الطيب الذي يقربك أكثر إلى الله عز وجل.

أدعو الله تعالى لك بتمام الصحة والعافية والسلامة.
_____________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ مأمون مبيض-استشاري الطب النفسي-
وتليها إجابة الدكتور/ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
________________________________________________

مرحبًا بك مجددًا -أيها الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

بدايةً نسأل الله تعالى العافية والشفاء من كل ما تعانيه، ونضيف إلى ما تفضل به -الدكتور مأمون- من الناحية الشرعية أن نبشرك -أيها الحبيب- أن الله سبحانه وتعالى رحيم بك، وهو أرحم بك من نفسك، ومن رحمته سبحانه وتعالى أنه لا يؤاخذك بما تعانيه من الوساوس؛ فالشرع ينظر إلى الوسوسة على أنها مرض من الأمراض، وصاحبها معذور، فإذا أدركت هذه الحقيقة، زال عنك كثير من الحزن والكآبة التي تعانيها.

الوسوسة لا تضرك في دينك، وإنما مطلوب منك أن تأخذ بالأسباب لمدافعتها عن نفسك، ومحاولة التخلص منها، وهي كما أفاد -الدكتور مأمون- مرض من الأمراض، وما دام الأمر كذلك، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "تداووا عباد الله. وقال: "ما من داء إلا وله دواء".

ودواء الوساوس يتكون من شقين:
الشق المادي الحسي: وهذا يتكفل الطبيب النفسي ببيانه، مع الخطة العلاجية المطلوبة.

والدواء الروحي النفسي الآخر: وهو الاعتماد على الوصايا النبوية في مدافعة الوساوس، وقد لخصها النبي -صلى الله عليه وسلم- بوصايا ثلاث:

الوصية الأولى: تحقير هذه الوساوس، وعدم الاكتراث، والمبالاة بها؛ فلا تبالِ بها أبدًا، ولا تضخمها، ولا تظن أنها ستؤثر عليك في دينك، فلا تخف منها، وبادر دائمًا إلى الاشتغال بغيرها، واصرف الذهن عنها، وانشغل بأي شيء يفيدك في دينك أو دنياك، وداوم على هذا السلوك، وإن كان شاقًا في البداية، ولكنك -بإذن الله تعالى- ستستطيع الاستمرار عليه، وهذا هو الدواء الحقيقي للوساوس.

الوصية النبوية الثانية هي: الاستعاذة بالله تعالى، واللجوء إليه بقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كلما داهمتك الأفكار الوسواسية.

والوصية الثالثة: الإكثار من ذكر الله تعالى؛ فذكر الله تعالى حصن يتحصن به الإنسان من الآفات والمكروهات، وهو وسيلة للحماية، والدفاع عن الإنسان، فأكثر من ذكر الله خلال اليوم والليلة، وحافظ على صلواتك في المساجد، وأرغم نفسك على الاشتغال بذكر الله تعالى، والتواصل بالرجال والشباب الطيبين.

هذه الخطة الروحية، مع مصاحبة الخطة العلاجية التي يصفها لك الطبيب، وهي الطريق للخروج من هذه الدائرة التي أنت فيها، والتخلص من آثار الوساوس -بإذن الله-، فاستعن بالله تعالى ولا تعجز، وأكثر من دعائه سبحانه.

وننصحك بأن تصارح المقربين منك (كالوالدين ونحوهما) بما تعانيه؛ ليكونوا عونًا لك على التخلص من هذا المرض والداء، وليس في الأمر أي عيب تخشى من التصريح به؛ فكل الناس معرضون للآفات والأمراض، وليس مطلوبًا منك أن تصرح بتاريخك الماضي، وما كنت تفعله من الذنوب، فاستر على نفسك، ولا تحدث بها أحدًا، ولكن التكلم مع والديك بما تعانيه، وأنك بحاجة إلى التداوي، هذا ليس فيه شيئًا يعاب، أو يخاف من التصريح به.

فنسأل الله تعالى أن يوفقك، وأن يأخذ بيدك، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً