الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرسب في دراستي وأهل المعاصي ينجحون، فما سبب ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

حياكم الله، أعتذر ولكن لدي رسالة طويلة.

أنا طالبة جامعية، قريبًا سأبلغ ٢٥ عامًا، وأدرس في دولة أوروبية لا يتحدثون الإنجليزية، والحقيقة أني متأخرة دون بقية الطلبة، وكلما قدمت على مادة أرسب، ودخلت للمحاولة الثالثة في عدة مواد، رغم أني أسعى وأدرس بكل جد، ولكن لا أفهم ما الخلل؟

لست سيئة في المواد العملية، بل حالي أفضل من الكثير -ولله الحمد-، ولكن الذين معي ينجحون دون تطبيقهم للعملي، وأنا تتعرقل أموري، وبدأتُ أقول إني نحس! وإن الدنيا تنغلق في وجهي.

الأمور لا تتعلق بالدراسة وحسب، بل حتى أموري في الحياة، من أوراق ومعاملات، وكلما انتهيت من مشكلة أدخل في مشكلة أخرى يفصل بينها ثلاثة أيام، وأشعر بالهم والغم، وأنا متأخرة، والجميع متقدم، رغم أني أحب تخصصي كثيرًا، ولكن لا أعلم ما السبب.

كل شيء مغلق في وجهي، حتى إن أحد الدكاترة رفض أن ينجحني على سبع درجات، بينما نجَّح طالبًا كان قبلي، وكان ينقصه خمس درجات، والله المستعان.

أقول: ربما الذنوب هي السبب؛ ولذلك سُدَّت الأمور في وجهي، ولكن الذين معي كلهم أصحاب ذنوب، بل وأصحاب كبائر، فأقول: لماذا هم ينجحون وأنا لا أنجح؟ لماذا هم تتيسر أمورهم رغم أنهم بعيدون عن الله عز وجل، وأنا التي تحاول أن تقترب من الله بقدر الإمكان؟!

أموري منغلقة أمامي، فما الحل لهذه المُعضلة؟ وأعتذر جدًا عن الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم حور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل، ونسأل الله أن يُقدِّر لك الخير ثم يرضيك به، وأن يُعينك على النجاح، وأن يُوصلك إلى الفلاح.

لا شك أن النجاح في الأمور الدراسية يحتاج إلى تنظيمٍ للوقت، ويحتاج إلى عمل جدول مرتب للمذاكرة، ويحتاج إلى تواصل مع المعلمين والمعلمات، ويحتاج إلى مصاحبة المجتهدات من الطالبات، وهذا ما نفضله، نريدُ للطالبة أن تتعاون مع زميلاتها، وقبل ذلك وبعده الاستعانة بالله تبارك وتعالى، والإنسان مطالب أن يبذل الأسباب، ثم يتوكل على الكريم الوهاب، ثم يكون راضياً بما يُقدِّره الله تبارك وتعالى، وكل ما يقدره الله فيه الخير.

ولذلك الإنسان ينبغي أن يرضى بأقدار الله إذا بذل الأسباب، فأنت مطالبة بأن تبذلي الأسباب، وتحاولي أن تعرفي الطرائق التي تُعينك على النجاح، وتُعينك على حصد الدرجات.

ومعلوم بين طلاب وطالبات العلم أن الدرجات لا تُحصد بكثرة المذاكرة، بقدر ما تحصد بمعرفة القضايا المهمة التي تحتاج إلى تركيز، وهذا ما تحتاجين فيه إلى أن يكون حولك صديقات صالحات صادقات، وأن تتواصلي مع المعلمات حتى تعرفي ما هي القضايا التي ينبغي أن يكون التركيز عليها.

ونتمنى ألَّا تشغلي نفسك بالوقوف عند الماضي والتفكير فيما مضى، انظري إلى المستقبل، فإن كثيراً من الناس يتعطل؛ لأنه يقول: (لو كان كذا كان كذا)، ولكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قدَّر الله وما شاء فعل؛ فإنّ لو تفتى عمل الشيطان)، والشيطان يريد أن يُعطِّل الإنسان بالنظر إلى الوراء، فانظري إلى الأمام، واجتهدي في معرفة الطرائق الصحيحة للمذاكرة، وفهم اللغة في البلد التي أنت فيها، وأعتقد أن من الوسائل لذلك أن يكون لك تداخل مع أهل البلد، أو استخدام اللغة كممارسة وكمعايشة لأهلها، ونسأل الله أن يُعينك على الخير.

الإنسان عليه أن يبذل الأسباب، ثم يتوكل على الكريم الوهاب، وعلينا أن نُوقن أن الخير فيما يقدره الله تبارك وتعالى، والخير قد يأتي في صورة يظنها الإنسان شر يكرهه، ولكن كما قال الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم}.

ونحب أن نقول: إن الله تبارك وتعالى ما رضي هذه الدنيا الدنية ثوابًا لأوليائه، ولا رضيها عقابًا لأعدائه، ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سُقي كافر منها جرعة ماء، ولذلك هذه الدنيا يُبتلى فيها المؤمن ليرتفع عند الله درجات، ويبلغ منازل ما كان ليبلغها إلَّا بصبره على البلاء.

وعليه: أرجو ألَّا تتوقفي طويلًا أمام هذا التعثُّر الذي يحصل، فإن تأخُّر النصر وتأخُّر النجاح والصعوبات -التي تواجه المؤمن والمؤمنة- يُؤجرون عليها عند الله تبارك وتعالى، وهي فرصة للجوء إلى الله تبارك وتعالى، وقد يحرمه الله تبارك وتعالى من بعض الأشياء من حبه له؛ لينال أجر الصابرين، ليرتفع عند الله تبارك وتعالى، ولذلك ابن الجوزي قال: (كانوا يسألون الله فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه، فيقول: مثلك لا يُجاب، أو يقول: لعلّ المصلحة في ألَّا أُجاب).

والمؤمنة إذا عصت الله أو قصَّرت في طاعة الله؛ فإنها سرعان ما تعود وترجع إلى الله تبارك وتعالى، وقد تُبتلى وهي المطيعة، وينجح الآخر وتنجح الأخرى المقصرة في حق الله تبارك وتعالى، ولذلك قد يُرى مؤمن من الجوع في الدنيا، ويُرى لكع ابن لكع من أعداء الله تبارك وتعالى، وهو يتمتع في هذه الدنيا التي هي جنة الكافر، وهي سجن المؤمن.

لذلك أرجو أن تكون هذه المعاني واضحة، والإنسان إذا تعثَّرت عليه الأمور فينبغي أن يتوجه إلى الله تبارك وتعالى، ويبذل الأسباب، ثم يتوكل على الكريم الوهاب، ثم يرضى بما يُقدِّره الله تبارك وتعالى، والذي يختاره الله لنا أفضل ممَّا نختاره لأنفسنا.

ولا مانع أيضًا من الإكثار من الدعاء، وقراءة أذكار الصباح والمساء، والرقية الشرعية وآيات الرقية، والذهاب لراقٍ شرعي، واتخاذ كل الأسباب الممكنة، وبعد ذلك الإنسان يرضى بما يُقدّره الله تبارك وتعالى.

نسأل الله أن يفتح عليك أبواب الخير، وأن يكتب لك النجاح، وأن يُوصلك إلى طريق الفلاح، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، وأن يُنعم عليك بفضله، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً