الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد اكتشاف خيانتها..هل أطلقها؟

السؤال

السلام عليكم

أنا متزوج منذ حوالي ثلاث سنوات ونصف، ولدي طفل، للأسف، اكتشفت أن زوجتي قامت بإنشاء حساب آخر على "فيسبوك" غير حسابها المعروف، وكانت تتحدث من خلاله مع أكثر من شاب، وقع الخبر عليّ كالصاعقة، ولكن خوفًا على ابني واستقرار الأسرة، قررت الاستمرار ووضع حدود واضحة للعلاقة.

وللأسف، بعد فترة اكتشفت أنها تواصلت مع شخص كان خطيبها السابق، ثم قامت بعمل "بلوك" له لاحقًا، وعندما واجهتها، كانت حجتها أنها خافت أن يتصل بها وأنا بجانبها، وهو ما أراه عذرًا أقبح من ذنب.

حاليًا: أفكر في الطلاق، لكن في داخلي رغبة في الصبر، خوفًا على مستقبل ابني، وفي الوقت نفسه أخشى أن أظلِم نفسي أكثر من ذلك، فهل الطلاق هو الحل الأفضل، أم هناك طريق آخر يمكنني اللجوء إليه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أيها الابن الكريم، والأخ الفاضل- في موقعنا، ونشكرك في البداية على حرصك على السؤال قبل اتخاذ القرار؛ فإنَّه ما ندم من استشار، ولن يندم من استخار الله تعالى.

وما جعلت الشريعة أمر الطلاق بيد الرجل إلَّا لأنه الأعقل والأحكم، والأقدر على النظر في عواقب الأمور ومآلاتها، ومسألة الطلاق لا تكون حلًّا إلَّا إذا وُضعت في إطارها الصحيح، وبعد أن يستنفد الإنسان كافة وجميع وسائل الإصلاح، وأرجو أن تجعل همّك إصلاح هذه الزوجة.

نحن بحاجة إلى أن نقف معك وننظر في الأمر نظرة شاملة، إذ من المهم جدًّا أن نحدد طبيعة العلاقة بينكما، ومدى الانسجام الموجود، ومدى التزام الزوجة بصلاتها وطاعتها لله -تبارك وتعالى- وتفاهمها معك، وإلى أي درجة هي مهتمّة بطفلها، وإلى أي درجة هي حريصة على بيتها، فينبغي أن تأخذ الصورة كاملة.

وإذا ذكّرك الشيطان بالسلبيات المذكورة -وهي بلا شك مزعجة- فعليك أن تتذكر أيضًا ما فيها من إيجابيات، وتتذكّر ما فيها من الحسنات، ولك أن تتخذ ما تراه من إجراءات لحفظ كرامتك وصيانة عرضك، لكن لا تجعل الطلاق هدفًا أولاً ولا ثانياً، بل ينبغي أن يكون آخر الحلول والخطوات، لأنَّه كي، وآخر الدواء الكي، والطلاق لا يُفرح سوى عدونا الشيطان.

فأرجو أن تنظر إلى هذه المرأة نظرة شاملة، ضع إيجابياتها في كِفَّة، والسلبيات في كفة أخرى، وانظر بعين التوازن، وبعد ذلك حتى السلبيات نفسها لا بد أن تقيّمها:
- هل يا ترى إذا أغلقتَ عليها باب الشر تتوقف، أم تعيدُ الكَرَّة؟
- هل يظهر منها الالتزام بالحجاب، والحشمة، والاحترام وسماع الكلام؟
- هل تستجيب لك؟ وهل هي منسجمة معك في حياتكما الخاصة كزوجين؟

فالمسألة لا بد أن تُؤخذ بهذه الطريقة؛ لأن هذا قرار كبير، والقرار الكبير الناجح لا يُتخذ إلَّا بعد نظرٍ في مآلات الأمور وعواقبها، ونتائجها، والبدائل المتاحة، وغيرها من الاعتبارات، وإذا كنت تنظر إلى مصلحة الطفل -وهذا أمر تُشكر عليه- فإن هذا واحد من الاعتبارات المهمة التي ينبغي أن تنظر إليها.

وعليه: فالطلاق ليس هو الحل دائمًا، لكن لا بد من اتخاذ خطوات علاجية، ولا مانع عندنا من أن تتواصل معنا بعد أن تذكر بعض التفاصيل المهمة التي أشرنا إليها، مثل تقييمك العام لصلاتها، والتزامها، وأدائها لواجباتها، وتجاوبها معك في العلاقة الخاصة، ورد فعلها عند اكتشافك لأخطائها: هل تشعر هي بالندم؟ هل تتوب وتعود إلى الله تعالى؟ هذه كلها أمور لا بد أن نعرفها، ونحتاج فيها إلى إجابات واضحة، ولا مانع عندنا من أن تطلب منها كتابة استشارة مشتركة، أو أن تتواصل هي مع الموقع لتعرض ما عندها، حتى تسمع التوجيهات.

عمومًا، نحن لا نؤيد فكرة جعل الطلاق هو الخيار الأول أو الخطوة الأولى، بل لا بد من استنفاد كافة الوسائل، وأنت صاحب القِوامة، وبإمكانك أن تُقِيمَ أسرتك وتحافظ عليها، وتتحكَّم في مسألة التواصل، وتُغيِّر الأرقام، إلى غير ذلك من الأشياء والوسائل التي ينبغي أن تتخذها في الإصلاح، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يردكم إلى الحق والخير والصواب ردًّا جميلاً.

ولكي لا تظلم نفسك، أو تظلم الطفل، أو تظلم زوجتك؛ فإننا نوصيك بعدم التسرع في قرار الطلاق، فالطريق الأفضل هو أن تبذل كل ما تستطيع من وسائل الإصلاح، وتخطو الخطوات الصحيحة بناءً على المؤشرات التي أشرنا إليها سابقًا.

فإذا حاولت بكل ما تقدر عليه، ومع ذلك تعذر استمرار الحياة الزوجية، ولم يظهر منها رغبة في التوبة، ولا استجابة لأوامر الله، ووقعت في المعاصي؛ فاعلم أن هذا الأمر لا يرضي الله عز وجل.

لذا: اجعل هدفك الأهم هو إصلاحها ما استطعت، ونسأل الله أن يهديها، ويردها إلى طريق الحق ردًّا جميلًا، وأن يعيد الوئام والثقة والمودة والألفة بينكما.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً